ثم
ذَكَر سبحانه وتعالى المقالة الثانية الصادرة من عبد الله بن أُبَي، فقال سبحانه
وتعالى: ﴿يَقُولُونَ
لَئِن رَّجَعۡنَآ إِلَى ٱلۡمَدِينَةِ﴾،
أي: رجعنا من الغزو. لأنهم كانوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة بني
المُصْطَلِق، أو المُرَيْسِيع، ﴿لَيُخۡرِجَنَّ ٱلۡأَعَزُّ مِنۡهَا ٱلۡأَذَلَّۚ وَلِلَّهِ
ٱلۡعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِۦ وَلِلۡمُؤۡمِنِينَ وَلَٰكِنَّ ٱلۡمُنَٰفِقِينَ لَا
يَعۡلَمُونَ﴾ [المنافقون: 8].
وسبب
ذلك: أنه حصلت مشادة في تلك الغزوة بين شاب من المهاجرين
وشاب من الأنصار، فَقَالَ الأَْنْصَارِيُّ: يَا لَلأَْنْصَارِ، ! وَقَالَ
الْمُهَاجِرِيُّ: يَا لَلْمُهَاجِرِينَ! كل منهما ينادي جماعته، من باب الحَمِية،
فسَمِع النبي صلى الله عليه وسلم ذلك فقال: «مَا بَالُ دَعْوَى أَهْلِ
الجَاهِلِيَّةِ؟!» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ كَسَعَ ([1])
رَجُلٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ، رَجُلاً مِنَ الأَْنْصَارِ، فَقَالَ: «دَعُوهَا،
فَإِنَّهَا مُنْتِنَةٌ» ([2]).
فالمسلمون
إخوة، المهاجرون والأنصار، ليس بينهم عصبيات ولا قبلية؛ لأنهم إخوة،﴿إِنَّمَا ٱلۡمُؤۡمِنُونَ
إِخۡوَةٞ﴾ [الحجرات: 10] دون نظر
لأنسابهم ﴿إِنَّ
أَكۡرَمَكُمۡ عِندَ ٱللَّهِ أَتۡقَىٰكُمۡۚ﴾
[الحجرات: 13].
عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي وَسَطِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ خُطْبَةَ الْوَدَاعِ، فَقَالَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ، وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ، ألاَ لاَ فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى عَجَمِيٍّ، وَلاَ لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ، وَلاَ لأَِحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ، وَلاَ أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ، إلاَّ بِالتَّقْوَى، ﴿إِنَّ أَكۡرَمَكُمۡ عِندَ ٱللَّهِ أَتۡقَىٰكُمۡۚ﴾ [الحجرات: 13] » ([3]).
([1]) أي: ضَرَبه برجله أو بصدر قدمه أو بيده - على مؤخره. انظر: مقاييس اللغة (5/ 177)، والنهاية في غريب الحديث والأثر (4/ 173)، ولسان العرب (8/ 309).