حتى الكفار لا ينكرون أن
الله هو الذي خلقهم، قال سبحانه وتعالى: ﴿وَلَئِن
سَأَلۡتَهُم مَّنۡ خَلَقَهُمۡ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُۖ فَأَنَّىٰ يُؤۡفَكُونَ﴾ [الزخرف: 87].
فالله
عز وجل اختص بالخلق، ولا أحد يَخلق معه سبحانه وتعالى، قال سبحانه وتعالى: ﴿وَهُوَ ٱلۡخَلَّٰقُ
ٱلۡعَلِيمُ﴾ [يس: 81].
﴿فَمِنكُمۡ
كَافِرٞ وَمِنكُم مُّؤۡمِنٞۚ﴾،
أي: بعدما خلقكم انقسمتم فريقين: منكم كافر بالله سبحانه وتعالى الذي خَلَقه
ورَزَقه. ومنكم مؤمن به سبحانه وتعالى، ومُوحِّد له وعابد له.
وكل
من الإيمان والكفر مُقدَّر لله سبحانه وتعالى، فهو الذي قَدَّر الإيمان والكفر،
وخَلَق الكفر وخَلَق الإيمان، قال سبحانه وتعالى: ﴿ٱللَّهُ
خَٰلِقُ كُلِّ شَيۡءٖۖ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ وَكِيلٞ﴾ [الزمر: 62].
وهو
خالق الخير والشر، وخالق الطَّيِّب والخبيث؛ لحكمة منه سبحانه وتعالى.
فالناس
إما أن يكونوا من الكفار، وإما أن يكونوا من المؤمنين. وقَدَّم الله سبحانه وتعالى
الكافر على المؤمن في الآية؛ لأن أكثر الناس كفار، والمؤمنون هم القلة التي مَنَّ
الله سبحانه وتعالى عليها بالإيمان.
فالكفر
والإيمان خَلَقهما الله وقَدَّرهما، ولكن العباد هم الذين يفعلون باختيارهم الكفر
والإيمان بذلك. فالكافر يَكفر بإرادته هو ومشيئته واختياره. والمؤمن يؤمن بإرادته
هو ومشيئته واختياره؛ لأن الله سبحانه وتعالى أعطى كلًّا قدرته وإرادته واختياره،
وليس العبد مجبورًا على الكفر، وليس مجبورًا على الإيمان، بل إن هذا يرجع إلى
اختيار العبد ومشيئته؛ لأن الله سبحانه وتعالى أعطاه ذلك وأَقْدَره عليه.
ثم
قال سبحانه وتعالى: ﴿وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرٌ﴾، أسند الله الخلق إليه سبحانه وتعالى، وأسند العمل إلى
العباد، فالكفر هو عملهم؛ لأنهم فعلوه باختيارهم وإرادتهم ومشيئتهم، والإيمان
بعملهم - أيضًا - وكسبهم وإرادتهم.