وفي الآية الأخرى: ﴿فَمَن
يَكۡفُرۡ بِٱلطَّٰغُوتِ وَيُؤۡمِنۢ بِٱللَّهِ فَقَدِ ٱسۡتَمۡسَكَ بِٱلۡعُرۡوَةِ
ٱلۡوُثۡقَىٰ﴾ [البقرة: 256] فهذا هو معنى «لا إله إلاّ الله»، لأن «لا
إله إلاّ الله» معناها: الكفر بالطاغوت والإيمان بالله، مثل قوله: ﴿ٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ
وَٱجۡتَنِبُواْ ٱلطَّٰغُوتَۖ﴾ نفيٌ وإثبات.
ولاحظوا قوله: ﴿وَٱجۡتَنِبُواْا﴾، ما قال: اتركوا
عبادة الطاغوت؛ لأن ﴿وَٱجۡتَنِبُواْ أبلغ، يعني: اتركوا
كل الوسائل التي توصِّل إلى الشرك، والاجتناب أبلغ من الترك، الاجتناب معناه: أننا
نترك الشيء ونترك الوسائل والطرق التي توصِّل إليه، فهذه الآية فيها: أن الرسل
بُعثوا بالتَّوحيد، الذي هو عبادة الله وترك عبادة الطاغوت، من أولهم إلى آخرهم.
إذًا جميع الرسل جاءوا بالدعوة إلى التَّوحيد والنهي عن الشرك، هذه مِلَّة الرسل وهي مِلَّة واحدة، وإن اختلفت شرائعهم، إلاَّ أن أصل دينهم وعقيدتهم هو: التَّوحيد، وعبادة الله في كل وقت بما شرع؛ فمثلاً: الصلاة إلى بيت المقدس في أوَّل الإسلام؛ عبادة لله؛ لأن الله أمر بها، لكن بعدما نُسِخَت وحُوِّلَت القِبلة إلى الكعبة صارت العبادة هي الصلاة إلى الكعبة، والصلاة إلى بيت المقدس أصبحت منتهية، فمن صلى إلى بيت المقدس بعد النسخ يُعتَبر كافرًا، فعبادة الله في كل وقت بما شرعه في ذلك الوقت، وإذا نُسِخ فإنه يُنتَقَل إلى الناسِخ ويتُرك الدين المنسوخ، فدين الرسل واحد وإن اختلفت شرائعهم، وقد شبههم النبي صلى الله عليه وسلم بالإخوة لِعَلاَّتٍ، وهم الإخوة