النوع من العلم عن عامة الناس، وأخبر به معاذًا؛ لأن معاذًا من الجهابذة، ومن خواص العلماء، فدلَّ على أنه يجوز كتمان العلم للمصلحة، إذا كان يترتب على إيضاح بعض المسائل للناس محذور: بأن يفهموا خطأً، أو يَتَّكِلوا على ما سمعوا، فإنهم لا يُخبَرون بذلك، وإنما تلقى هذه المسائل على خواص العلماء الذين لا يُخشى منهم الوقوع في المحذور، فأخذ العلماء من هذا الحديث جواز كتمان العلم للمصلحة، وإنما أخبر معاذ رضي الله عنه بهذا الحديث عند وفاته، خشية أن يموت وعنده شيء من الأحاديث لم يبلِّغه للناس، كما في حديث علي رضي الله عنه: «حَدِّثُوا النَّاسَ بِمَا يَعْرِفُونَ، أَتُحِبُّونَ أَنْ يُكَذَّبَ اللهُ وَرَسُولُهُ؟» ([1])، يعني: لا يُلقى على كل الناس بعض المسائل التي فيها أمور تَخفى عليهم، أو تشوِّش عليهم، وإنما يُلقى على الناس ما يفهمونه، ويستفيدون منه، أما نوادر المسائل، وخواص المسائل، فهذه تلقى على طلبة العلم، والمتفقهين المتمكِّنين، وهذا من الحكمة ووضع الشيء في موضعه، لمَّا تكون أمام عُصاة يشربون الخمور، ويزنون، ويسرقون، وتقول: الله غفور رحيم، الله قريب مجيب، الله سبحانه وتعالى يغفر ويسمح، فيزيدون في الشرور، لكن حين تقول لهم: اتقوا الله، الله سبحانه وتعالى توعَّد الزناة بالعذاب وتوعَّد على السرقة، وعلى المعاصي بالعذاب الشديد، فتذكر لهم نصوص الوعيد، من أجل التوبة، ولو أتيت عند متمسِّكين وطيبين فذكرت لهم آيات الوعيد، فهذا ربما يزيدهم
([1]) أخرجه: البخاري رقم (127).