ما عرض له هذا العارض وهذا الزوال بعد الوجود، ﴿فَلَمَّا رَءَا ٱلۡقَمَرَ بَازِغٗا قَالَ هَٰذَا رَبِّيۖ﴾ [الأنعام: 77] يتدرج شيئًا فشيئًا، ﴿فَلَمَّآ أَفَلَ﴾ يعني: غاب وانتقل، صار هذا القمر يُتصرَّف فيه، ويُديَّر، مثل النجم الذي قبله، يُسَيَّرْ من المطلع إلى المغرب، فهو ليس برب إذًا، ﴿فَلَمَّا رَءَا ٱلۡقَمَرَ بَازِغٗا قَالَ هَٰذَا رَبِّيۖ فَلَمَّآ أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمۡ يَهۡدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ ٱلۡقَوۡمِ ٱلضَّآلِّينَ ٧٧ فَلَمَّا رَءَا ٱلشَّمۡسَ بَازِغَةٗ قَالَ هَٰذَا رَبِّي هَٰذَآ أَكۡبَرُۖ فَلَمَّآ أَفَلَتۡ قَالَ يَٰقَوۡمِ إِنِّي بَرِيٓءٞ مِّمَّا تُشۡرِكُونَ ٧٨﴾ [الأنعام: 77 - 78] تدرج إلى أكبر الكواكب هي الشمس، وإذا بطلت عبادة الشمس بطلت عبادة بقية الكواكب من باب أولى، ﴿إِنِّي بَرِيٓءٞ مِّمَّا تُشۡرِكُونَ﴾ الآن صرَّح بالتَّوحيد، وبين بطلان عبادة هذه الكواكب التي يعبدونها، تقرَّر عقلاً وشرعًا وفطرة أنها ليست بآلهة، وأعلن البراءة، وهي الهجر والترك والابتعاد عنه، ﴿إِنِّي وَجَّهۡتُ وَجۡهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ﴾ [الأنعام: 79] هذا هو الرب سبحانه وتعالى الذي فطر السموات والأرض، يعني: خلقهما وأبدعهما على غير مثال سابق، فالخالق هو الذي يستحق العبادة، أما الكواكب فهي مخلوقة، والمخلوق لا يستحق العبادة، مدبَّرة ليس لها في نفسها تدبير فكيف بغيرها؟، ﴿حَنِيفٗاۖ﴾ الحنيف معناه: المقبل على الله، المعرض عما سواه، يعني: لا أَلْتَفِتْ إلى غيره سبحانه وتعالى، ﴿وَمَآ أَنَا۠ مِنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ﴾ هذي براءة أيضًا، لما تبرَّأ من الأصنام تبرَّأ من أصحابها، ﴿وَحَآجَّهُۥ قَوۡمُهُۥ﴾ [الأنعام: 80] ناظروه على ترك هذه الدعوة، وأن يسلك مسلك الناس، ويمشي مع الناس، حتى أبوه وقف في وجهه، كما ذكر الله ذلك في سورة مريم، فإن أباه وقف منه موقف المُعادي ﴿قَالَ أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنۡ