أما الذي يعبد الله
ويعبد معه غيره، فهذا لم يحقق لا إله إلاَّ الله، وإن كان يتلفظ بها بلسانه، فالذي
يقول: لا إله إلَّا الله ثم يذهب إلى القبور، ويطلب منها الحوائج، ويتمسح بها،
ويستغيث بها، يطلب المدد منها، ويطوف بها. فهذا لم يتبرَّأ من الشرك، فلا تنفعه لا
إله إلاَّ الله ولو قالها عدد الأنفاس، لأن لا إله إلاَّ الله ليست مجرد لفظ يقال
باللسان، وإنما لها مقتضى ومدلول ومعنى لا بد أن يُحقَّقَ، وهو عبادة الله
والبراءة من الشرك والمشركين. فالذي لا يتبرَّأ من الشرك فإنه لم يحقق لا إله
إلَّا الله، وإن تلفظ بها، وجعل له منها أورادًا صباحية ومسائية، ومعه سُبْحَةٌ
طول الباع يسبِّح بها، ومعه أوراد يردِّدها وفيها لا إله إلَّا الله آلاف
المرَّات، لا تنفعه أبدًا حتى يفعل ما فعل إبراهيم عليه الصلاة والسلام، فيتبرَّأ
من الشرك.
﴿وَجَعَلَهَا كَلِمَةَۢ بَاقِيَةٗ﴾ [الزخرف: 28] جعل لا إله إلاَّ الله كلمة باقية في عقبه، في ذرية إبراهيم عليه الصلاة والسلام فلا يزال فيها من يقول هذه الكلمة ويعمل بها إلى أن بُعث محمد صلى الله عليه وسلم بها، ودعا إليها. بقيت في عَقِبه، وإن خالفها الأكثر، إلاَّ أنه يوجد في ذرية إبراهيم عليه السلام من التزم بها ولو كانوا قليلين، إلى أن بُعث محمد صلى الله عليه وسلم، فلم تَخْلُ الأرض من التَّوحيد ولله الحمد، ولا تخلو إلاَّ عند قيام الساعة، وإذا خلت الأرض من التَّوحيد قامت القيامة، كما في الحديث: «لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ وَفِي الأَْرْضِ مَنْ يَقُولُ: اللهَ اللهَ» ([1])، لأَِنَّ الأَْرْضَ لاَ تَبْقى إلاَّ مع التَّوحيد،
([1]) أخرجه: مسلم رقم (148).