والأحبار والرهبان
موجودون في الملل السابقة، فاليهود والنصارى اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابًا من
دون الله، بأيِّ شيءٍ اتخذوهم أربابًا من دون الله، فسرّ ذلك النبي صلى الله عليه
وسلم لَعَدِّي بن حاتم الطائي؛ لما جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقرأ عليه
الرسول صلى الله عليه وسلم: ﴿ٱتَّخَذُوٓاْ أَحۡبَارَهُمۡ
وَرُهۡبَٰنَهُمۡ أَرۡبَابٗا مِّن دُونِ ٱللَّهِ﴾، واستشكلها عدي؛ لأنَّه كان نصرانيًّا، فقال: يا رسول الله لسنا نعبدهم،
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أَلَيْسُوا يُحَرِّمُونَ مَا أَحَلَّ اللهُ،
فَتُحَرِّمُونَهُ؟»، قَالَ: بَلَى، قَالَ: «أَلَيْسُوا يُحِلُّونَ مَا حَرَّمَ
اللهُ، فَتُحِلُّونَهُ؟»، قَالَ: بَلَى، قَالَ: «فَتِلْكَ عِبَادَتُهُمْ»
([1])
فمعنى: ﴿ٱتَّخَذُوٓاْ
أَحۡبَارَهُمۡ وَرُهۡبَٰنَهُمۡ أَرۡبَابٗا مِّن دُونِ ٱللَّهِ﴾ أنهم أطاعوهم في تحليل الحرام وتحريم الحلال؛ فدلّ هذا على أن من أطاع
مخلوقًا في تحليل ما حرّم الله أو تحريم ما أحل الله، فقد اتخذه ربًّا يعبده من
دون الله، وهذا ما يسميه العلماء بشرك الطاعة.
والشاهد من الآية
للباب: أنها دلَّت على أن من معنى لا إله إلَّا الله: أن لا يُطاع إلاَّ الله
سبحانه وتعالى وأن من أطاع أحدًا في تحليل ما حرم الله أو تحريم ما أحل الله فقد
اتخذه ربًّا من دون الله.
لكن إذا كان يعتقد أن تحليل الحرام وتحريم الحلال أمر جائز، فهذا شرك أكبر يخرجه من الملَّة، أما إذا لم يعتقد جواز هذا، بل يعتقد أن التحليل والتحريم حقٌّ لله سبحانه وتعالى ولكنه فعله من باب الهوى، أو من باب تحصيل بعض المصالح، فهذه معصية عظيمة، لكنها لا تصل إلى حد
([1]) أخرجه: الطبراني في «الكبير» رقم (218).