فهؤلاء لما صاحبوا
هذا الخليفة استمالوه معهم، فصار ضد أهل السنَّة، ووقف الإمام أحمد في وجهه، وأبى
أن يقول بخلق القرآن، حتى ضُرب وسُجن وعُذِّب، ولكنه صبر رحمه الله وصابر، وتعاقب
عليه ثلاثة خلفاء، كلهم ضدُّه: المأمون، والمعتصم، والواثق، ولكنه صبر ووقف بحزم
وثبات، ولم يَخْضع لهم، وصبر على الضرب وعلى الحبس، وعلى الإهانة حتى نصره الله عز
وجل وجاء المتوكِّل ورفع عنه المحنة، وناصره، وصارت العاقبة للمتقين - والحمد لله
- وأخزى الله المعتزلة ومن تابعهم.
فهذا الإمام يجب أن
نعرف موقفه من أجل أن نقتدي به، وأن نعرف - أيضًا موقفنا من الفِرق الضالة والفِرق
المخالفة لأهل السنة والجماعة حتى لا نتساهل معها، ونعمل عمليِّة تجميع، ونقول:
نحن نجمِّع ولا نفرّق! بل يجب أن نفرِّق بين أهل الحق وأهل الباطل، نحن مع أهل
الحق وإن قَلُّوا، ولسنا مع أهل الباطل وإن كثروا، هذا هو الموقف الصحيح. فالإمام
أحمد وحده وقف في وجه أمة، ونصره الله عليهم، ولا بد أن الإنسان يناله أذى في
مقابل موقفه وصبره وثباته، لكن ما دام على الحق لا يهمه ذلك، وهذا في موازينه وفي حسناته
عند الله سبحانه وتعالى.
«رواه أحمد» في مسنده «بسند لا بأس به»، ورواه الحاكم في مستدركه، وقال: «صحيح الإسناد»، ووافقه الإمام الذهبي رحمه الله.