يقول: «اللَّهُمَّ
لاَ تَجْعَلْ قَبْرِي وَثَنًا يُعْبَدُ، اشْتَدَّ غَضَبُ اللهِ عَلَى قَوْمٍ
اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ» ([1])، فدلَّ على أن
تعظيم القبور والتبرك بها يجعلها أوثانًا تُعبد من دون الله.
فالحاصل؛ أن هذا فيه
دليل على أن العبرة في المعاني لا في الألفاظ، فاختلاف الألفاظ لا يؤثر، وإن
سمَّوْه توسُّلاً، أو سمَّوْه إظهارًا لشرف الصالحين، أو وفاءً بحقهم علينا كما
يقولون، هذا هو الشرك، سواء بسواء، فالذي يتبرَّك بالحجر أو بالشجر أو بالقبر قد
اتخذه إلهًا، وإن كان يزعم أنه ليس بإله؛ فالأسماء لا تغير الحقائق، إذا سمَّيت
الشرك، توسلاً، أو محبة للصالحين، أو وفاءً بحقهم، نقول: الأسماء لا تغير الحقائق.
وفيه - أيضًا -
مسألة مهمة: وهي أن حُسن المقاصد لا يغير من الحكم الشرعي شيئًا، هؤلاء لهم مقصد
حسن، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعتبر مقاصدهم، بل أنكر هذا؛ لأن الوسائل
التي تُفضي إلى المحاذير ممنوعة، صحابي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يحمل
السيف للجهاد، ما قصد إلَّا الخير هو ومن معه، ومع هذا غضب النبي صلى الله عليه
وسلم عند مقالتهم، وجعلها مثل مقالة بني إسرائيل؛ فدلَّ على أن المقاصد الحسنة لا
تبرِّر الغايات السيِّئة والمنكرة.
وفيه - أيضًا -: القاعدة العظيمة، وهي: خطورة التَّشَبُّه بالكفار والمشركين؛ لأنها تؤدِّي إلى الشرك، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: «لَتَرْكَبُنَّ سَنَنَ مَنْ
([1]) أخرجه: مالك في الموطأ رقم (85).