الشاتَية، وطلبوا من الرسول صلى الله عليه وسلم
أن يصلِّي فيه، يريدون من هذا التغطية والخديعة.
فوعدهم صلى الله
عليه وسلم وقال: «إِنَّا عَلَى سَفَرٍ إِلَى غَزْوَةِ تَبُوكٍ، إِنْ شَاءَ
اللهُ إِذَا رَجَعْنَا نُصَلِّي فِيهِ»، فلما رجع النبي صلى الله عليه وسلم من
تبوك ولم يبق على وصوله إلى المدينة إلَّا ليلة - أو ليلتان - أتاه الوحي من
السماء، قال الله سبحانه وتعالى: ﴿لَا تَقُمۡ فِيهِ أَبَدٗاۚ﴾، وبيَّن - سبحانه - مقاصدهم الخبيثة في هذا البناء.
وقوله: ﴿لَا تَقُمۡ فِيهِ أَبَدٗاۚ﴾ فيه: منع الرسول صلى الله عليه وسلم من الصلاة في هذا المسجد وتيئيس
لهؤلاء.
ففي هذه الآيات: أن
النِّيات تؤثِّر في الأمْكنة والمباني، النيَّات الخبيثة تؤثر في الأمكنة والبِقاع
خبثًا، والنيَّات الصالحة تؤثِّر فيها بركة وخيرًا؛ ففيها: الحث على إصلاح
المقاصد، وفيها: دليلٌ على أن الاعتبار بالمقاصد لا بالمظاهر؛ هؤلاء بنوا مسجدًا
في الظاهر، ولكن ليس مقصودهم المسجد، فدلَّ على أن ما كل من أظهر الصلاح يُقبَل
منه حتى تُعرف حقيقته. وفيه: التنبيه على خِداع المخادِعين، وأن يكون المؤمنون على
حذر دائمًا من المشبوهين ومن تضليلهم، وأنهم قد يتظاهرون بالصلاح، ويتظاهرون
بالمشاريع الخيرية، ولكن ما دامت سوابقهم، وما دامت تصرُّفاتهم تشهد بكذبهم فإنه
لا يُقبل منهم، ولا ننخدع بالمظاهر دون نظر إلى المقاصد وإلى ما يترتب - ولو على
المدى البعيد - على هذه المظاهر؛ ففيه: تنبيه المسلمين إلى الحذر في