×
إعانة المستفيد بشرح كتاب التوحيد الجزء الأول

بهذه المغيَّبات، وكذلك الجن يمسُّون الإنس ويخالطونهم ويصرعونهم، وهذا شيء ثابت، لكن من جَهَلَة الناس من يُنكر صَرْع الجن للإنس، وهذا لا يَكْفُر؛ لأن هذه مسألة خفيَّة، ولكنه يُخطَّأ، فالذي يُنكر مسَّ الجن للإنس لا يُكَفَّر، ولكن يضلَّل؛ لأنَّه يُكذِّب بشيءٍ ثابت، أما الذي يُنكر وجودهم أصلاً فهذا كافر؛ فقوله - تعالى -: ﴿وَأَنَّهُۥ كَانَ رِجَالٞ مِّنَ ٱلۡإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٖ مِّنَ ٱلۡجِنِّ ِ [الجن: 6] أي: يلتجئون إليهم ليدفعوا عنهم الشرور.

﴿فَزَادُوهُمۡ زاد الجن الإنس، ﴿رَهَقٗا أي: خوفًا، فالجن تسلّطوا على الإنس لمّا رأوهم يعوذون بهم، وزادوهم خوفًا وقلقًا، وأُعجبوا بأنفسهم، وقالوا: إننا أَخَفْنا الإنس، وصاروا يستعيذون بنا.

وسبب نزول هذه الآية: أن العرب كانوا في الجاهلية إذا نزلوا منزلاً قال أحدهم: أعوذ بسيّد هذا الوادي من شر سفهاء قومه، فأنزل الله هذه الآية: ﴿وَأَنَّهُۥ كَانَ رِجَالٞ مِّنَ ٱلۡإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٖ مِّنَ ٱلۡجِنِّ ِ.

فهذه عقيدة جاهليَّة، أبطلها الله سبحانه وتعالى بالأمر بالاستعاذة به وحده لا شريك له، وذلك في قوله: «عن خَوْلَة بنت حكيم - رضي الله تعالى عنها - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ نَزَلَ مَنْزِلاً فَقَالَ: أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ لَمْ يَضُرَّهُ فِيهِ شَيْءٌ حَتَّى يَرْتَحِلَ مِنْ مَنْزِلِهِ ذَلِكَ» رواه مسلم ([1]).

هذه هي الاستعاذة الشرعية البديلة من الاستعاذة الشركية.


الشرح

([1])  أخرجه: مسلم رقم (2708).