فسبب وقوعهم في هذا
الكفر هو: الغلو - والعياذ بالله - لأنهم لم يرتضوا أن يصفوا عيسى بأنه عبد الله
ورسوله، وإنما زادوا وقالوا: إنه ابن الله جاء ليخلِّص النَّاس من الخطيئة، وقُتل
وصُلب من أجل أن يخلِّص النَّاس من الخطيئة، ثمَّ بعد قتله وصلبه قام وصعِد إلى
السماء.
وهذا كذب مَحْضٌ،
كذبه الله وردَّه بقوله: ﴿وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَٰكِن شُبِّهَ لَهُمۡۚ﴾ [النساء: 157] فالذي قُتل وصُلب
هو شخص غير المسيح، ألقى الله شبه المسيح عليه، فقُتل وصُلب؛ لأنَّه خان ودلَّ
الكفرة على مكان المسيح، أما المسيح فإنه رفعه الله إليه، ومع هذا لم يجزموا أنه
المسيح: قال تعالى: ﴿وَإِنَّ
ٱلَّذِينَ ٱخۡتَلَفُواْ فِيهِ لَفِي شَكّٖ مِّنۡهُۚ مَا لَهُم بِهِۦ مِنۡ عِلۡمٍ﴾ [النساء: 157].
فالحاصل؛ أن هذا هو غلو
النصارى، أنهم مدحوا المسيح ورفعوه فوق منزلته، حتى عبدوه من دون الله، وادَّعوا
فيه الربوبية بسبب الغلوِّ، وعيسى عليه السلام يقول: ﴿قَالَ إِنِّي عَبۡدُ ٱللَّهِ ءَاتَىٰنِيَ ٱلۡكِتَٰبَ وَجَعَلَنِي
نَبِيّٗا ٣٠ وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيۡنَ مَا كُنتُ وَأَوۡصَٰنِي بِٱلصَّلَوٰةِ
وَٱلزَّكَوٰةِ مَا دُمۡتُ حَيّٗا ٣﴾ [مريم: 30- 31]، وفي يوم القيامة يتبرَّأُ
من هؤلاء: ﴿وَإِذۡ قَالَ ٱللَّهُ يَٰعِيسَى ٱبۡنَ مَرۡيَمَ ءَأَنتَ قُلۡتَ لِلنَّاسِ
ٱتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَٰهَيۡنِ مِن دُونِ ٱللَّهِۖ قَالَ سُبۡحَٰنَكَ مَا
يَكُونُ لِيٓ أَنۡ أَقُولَ مَا لَيۡسَ لِي بِحَقٍّۚ﴾ [المائدة: 116]، فالعبادة حق الله ليست حقًا لمخلوق، ﴿مَا يَكُونُ لِي﴾ ما ينبغي ولا يليق
ولا يصح ﴿أَقُولَ مَا لَيۡسَ لِي بِحَقٍّۚ﴾ لأن العبادة حق لله
سبحانه وتعالى ثمَّ ردَّ ذلك إلى الله ﴿إِن كُنتُ قُلۡتُهُۥ فَقَدۡ عَلِمۡتَهُۥۚ
تَعۡلَمُ مَا فِي نَفۡسِي وَلَآ أَعۡلَمُ مَا فِي نَفۡسِكَۚ إِنَّكَ أَنتَ
عَلَّٰمُ ٱلۡغُيُوبِ﴾ [المائدة: 116]، والله يعلم سبحانه وتعالى
أن عيسى