×
إعانة المستفيد بشرح كتاب التوحيد الجزء الأول

أما التنطع في العبادة فهو كما سلف، هو: أن يزيد الإنسان في العبادة على الحد المشروع، وهذه رهبانية النصارى، أما الحد المشروع فهو كما قال صلى الله عليه وسلم: «أُصَلِّي وَأَنَامُ، وَأَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، وَآكُلُ اللَّحْمَ، وَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي» ([1]) هذا هو الاعتدال، وأما التبتُّل وعدم التزوج، والصيام دائمًا ولا يُفطر، والصلاة كل الليل ولا ينام، هذا كله من الغلو ومن التنطع الذي يَهْلَكُ صاحبُه كما هلكت النصارى في رهبانيتهم، والنبي صلى الله عليه وسلم حذَّر من الغلو، وحذَّر من رهبانية النصارى، وأمر بالاعتدال والتوسط، وقال: «هَذَا الدِّينُ مَتِينٌ، وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلَّا غَلَبَهُ» ([2])، ﴿فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ مَا ٱسۡتَطَعۡتُمۡ وَٱسۡمَعُواْ وَأَطِيعُواْ ا [التغابن: 16]، وقال صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ الْمُنْبَتَّ لاَ أَرْضًا قَطَعَ، وَلاَ ظَهْرًا أَبْقَى» ([3])والمنبت هو: الذي يكلِّف نفسه بالسير ولا يستريح ولا يريح راحلته، هذا ينبت، يعني: ينقطع وتموت راحلته، ويقف في وسط الطريق: «فلاَ ظَهْرًا أَبْقَى» لأن راحلته ماتت، «وَلاَ أَرْضًا قَطَعَ» لأن المسافة باقية. أما لو أخذ الطريق على مراحل، وشيئًا فشيئًا، وأراح نفسه، وأراح راحلته لقطع الطريق، وبلغ المقصود ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: «أَوْغِلُوا فِيهِ بِرِفْقٍ» ([4]).

فالحاصل؛ أن التنطع في العبادة هو: الزيادة فيها عن الحد المشروع، والمطلوب أن الإنسان يتوسط في العبادة من غير زيادة، ومن غير نقصان.


الشرح

([1])  أخرجه: البخاري رقم (4776)، ومسلم رقم (1401).

([2])  أخرجه: البخاري رقم (39) بلفظ: «إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ».

([3])  أخرجه: البيهقي في «الشعب» رقم (3886)، والقضاعي في مسند «الشهاب» رقم (1147).

([4])  أخرجه: أحمد رقم (13052)، والبيهقي في «الشعب» رقم (3886).