الصحابة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم،
وهذا هو هدي الإسلام في القبور، لا يُبنى عليها بنيَّة، ولا يُكتب عليها، ولا
تزخرف، ولا تُجَصَّص؛ لأن هذه الأمور إذا فُعلت صارت وسيلة إلى الشرك، وقد أمر
النبي صلى الله عليه وسلم بهدم القبور المشرفة، فقال لعلي بن أبي طالب رضي الله
عنه: «لاَ تَدَعَ قَبْرًا مُشْرِفًا - يعني: مرتفعًا - إِلاَّ سَوَّيْتَهُ»
يعني: هدمت ما عليه من البناء، حتى يصبح كسائر القبور لا يُلفت النظر، ولا يُفتتن
به، فالقبور إذا كانت على الهدي الشرعي لا يُفتتن بها، أما إذا بُني على بعضها،
وجُصِّصَ، وزُخرف، فإن النَّاس سينصرفون إليه ولابدَّ.
المسألة الثانية: في الحديث دليل على
تحريم العبادة عند القبر، حتى ولو لم يُبْنَ عليه بَنِيَّة، لا بدعاء، ولا بصلاة،
ولا بذبح، ولا بنذر، ولا بغير ذلك، وإنما هدي الإسلام أن القبور تُزار من أجل
السلام على الأموات، والدعاء لهم بالمغفرة والرحمة، واتعاظ الزائر بأحوال الموتى،
هذا هو هدي الإسلام في القبور، وأن لا تُهان القبور - أيضًا -، ولا تُمتهن، بل
يُحافظ عليها، فلا تُهان ولا تُداس.
فهدي الإسلام وسط بين إفراط وتفريط، بين الغلو فيها، وبين التساهل في شأنها وإهانتها، يُحافظ عليها الإسلام، ولكنه لا يغلو فيها، هدي الإسلام هو الوسط في كل شيء - والحمد الله - لأن من النَّاس من يمتهن القبور، ويبني عليها المساكن، أو يجعلها محلاً للقمامات والقاذورات، أو بِدَوْسِ الأقدام عليها، أو مرور الحيوانات عليها، أو يقضون حوائجهم ويبولون عليها، وهذا حرام لا يقرُّه الإسلام.