والصلاة عندها من
ذلك، وإن لم يُبن مسجد، وهو معنى قولها: «أَنَّهُ خَشِيَ أَنْ يُتَّخَذَ
مَسْجِدًا»، فإن الصحابة لم يكونوا ليبنوا حول قبره مسجدًا.
****
«فإن الصحابة لم يكونوا ليبنوا حول قبره
مسجدًا» لأنهم معصومون عن ذلك رضي الله عنهم ولا يمكن ذلك أبدًا في حقهم، بل
لم تبن المساجد في القرون الأربعة كلها، لأن القرون الأربعة أثنى عليها رسول الله
صلى الله عليه وسلم بقوله: «خَيْرُكُمْ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ،
ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ» ([1])، فإذا كان القرون
الأربعة لم يبن فيها على القبور مساجد فكيف يُبنى في عهد الصحابة الذين هم القرن
الأول، رضي الله تعالى عنهم؟ فدلَّ على أن المراد باتخاذها مساجد: تحرِّي الصلاة
عندها ظنًّا أن الصلاة عندها فيها مزيَّة، وأنها يُستجاب الدعاء عندها، لأن ذلك
وسيلة من وسائل الشرك، والنبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة عند القبور،
واتخاذها مساجد سدًّا لذريعة الشرك؛ لأنَّه إذا صُلِّي عندها، ودُعِيَ عندها، فإن
ذلك يتطوَّر وتُدعى من دون الله، وتُعبد من دون الله، كما حصل عند الأضرحة الآن،
وتُعبد من دون الله؛ فيُذبح لها، وينذر لها، ويُستغاث بالموتى، ويُتمرَّغ على
تُربتها، ويُعكف عندها، ويُطاف حولها كما يُطاف بالكعبة، كل ذلك لأن الباب فُتح
لما بُني عليها.
ثمَّ قال رحمه الله: «وكل موضع قُصدت الصلاة فيه» أي: كل موضع يُتردَّد عليه ويصلى فيه، سواء كان عنده قبر أو ليس عنده قبر «فقد اتَّخذ مسجدًا» وإن لم يُبن، ولو كان صحراء يسمَّى مسجدًا، يعني: مكان صلاة ومكان سجود.
([1]) أخرجه: البخاري رقم (2508)، ومسلم رقم (2535).