ولا شكَّ أَنَّ هذا
الصَّنيعَ سيَؤُولُ بهم إلى ما لا تُحمَد عُقْباه قال بعضُ السَّلَف: «إِنَّ هَذَا
الْعِلْمَ دِينٌ، فَانْظُرُوا عَمَّنْ تَأْخُذُونَ دِينَكُمْ» ([1]) وعن ابْنِ
مَسْعُودٍ رضي الله عنه قال: «لاَ يَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ مَا أَتَاهُمُ
الْعِلْمُ مِنْ عُلَمَائِهِمْ وَكُبَرَائِهِمْ وَذَوِي أَسْنَانِهِمْ فَإِذَا
أَتَاهُمُ الْعِلْمُ عَنْ صِغَارِهِمْ وَسُفَهَائِهِمْ فَقَدْ هَلَكُوا» ([2]).
فيا شبابَ المسلمين
ويا طلبةَ العلم! اتَّصلوا بعلمائكم وارتبطوا بهم وتلقَّوا العلم عنهم، ارتبطوا
بالعلماء الثِّقاتِ المعروفين بسلامة المُعتقَد وسلامةِ الاتِّجاه لتأْخُذوا عنهم
العلم وتصلوا السِّلْسِلة بنَبِيِّكم صلى الله عليه وسلم كما كان أَسْلافكم على
ذلك فما زال المسلمون يتلقَّون هذا العلمَ عن نبيِّهم بواسطة علمائهم جِيلاً بعد
جِيلٍ.
هؤلاء الذين
تحدَّثْنا عنهم صِنْفٌ وهناك صِنْفٌ آخرُ من المُتعلِّمين يتلقَّى العلم عن
الكُتُبِ ولا يتَّصل بالعلماء زاعمًا أَنَّه يستغني بتلك الكُتُبِ عن العلماء وهذا
خطأٌ عظيمٌ ويترتَّب عليه خَطَرٌ كبيرٌ لأَنَّ الكُتُبَ ما عدا كتاب الله وسُنَّةِ
رسوله فيها الغَثُّ والسَّمينُ وفيها الخطأُ والصَّوابُ بل في بعضها الدَّسُّ
والكَذِبُ على الإسلام وزرْعُ الشُّبُهات. والمُتعلِّمُ المُبْتدئُ لا يُميِّز بين
ما فيها من النَّافعِ والضَّارِّ بل رُبَّما يكون الضَّارُّ أَعْلقَ بذِهْنه فلا
بُدَّ له من مُعلِّمٍ بصيرٍ يفحص له الكُتُب ويضع يدَه على ما فيها من نافعٍ
وضارٍّ وخطأٍ وصوابٍ.
ومن ثَمَّ كان طلبة العلم قديمًا يُسافرون إلى الأَقْطار النَّائِية ليلتقَّوا بالعلماء ويتلقَوا عنهم العلمَ النَّافعَ ولم يكتفوا بمطالعة الكُتُب فهذا
([1])أخرجه: الدارمي رقم (433)، وابن أبي شيبة رقم (26636).