فوق العرش، يعلم كلَّ شيءٍ،
وهو معنا أَيْنما كُنَّا، كما قال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم في حديث
الأَعْمال: «وَاللَّهُ فَوْقَ الْعَرْشِ، وَهُوَ يَعْلَمُ مَا أَنْتُمْ
عَلَيْهِ» ([1]).
ذلك أَنَّ كلمة «مع»
في اللُّغة إِذَا أُطْلِقتْ؛ فليس ظاهرُها في اللُّغة إلاَّ المُقارنةِ
المُطلَقةِ؛ من غير وجوب مُماسَّةٍ أَوْ مُحاذاةٍ عن يمينٍ أَوْ شَمالٍ، فإِذَا
قُيِّدَت بمعنًى من المعاني؛ دلَّت على المُقارنة في ذلك المعنى، فإِنَّه يُقال:
ما زِلْنا نسير والقَمَر معنا، أَوِ النَّجْمُ معنا، ويُقال: هذا المتاع معي؛
لمجامعته لك، وإِنْ كان فوق رأسك. فالله مع خلْقه حقيقةً، وهو فوق العرش حقيقةً.
ثُمَّ هذه المعيِّة
تختلف أَحْكامُها بحَسَب الموارد، فلمَّا قال: إلى قوله: ﴿وَهُوَ مَعَكُمۡ أَيۡنَ مَا كُنتُمۡۚ﴾ [الحديد: 4] ؛ دلَّ
ظاهر الخِطاب على أَنَّ حُكْم هذه المعيِّةِ ومقتضاها أَنَّه مُطَّلِعٌ عليكم،
شهيدٌ عليكم، مُهيمِنٌ عليكم، عالمٌ بكم، وهذا معنى قول السَّلَف: إِنَّه معهم
بعلمه، وهذا ظاهرُ الخِطاب وحقيقتُه» انتهى.
فعُلِمَ من ذلك
أَنَّه لم يجرِ في الآية - ولله الحمد - التَّأْوِيل الذي زَعَمه فضيلةُ الشَّيخ
الصَّابوني؛ لأَنَّ المعيَّةَ يختلف معناها باختلاف مواردها.
ج- وأَمَّا قوله: إِنَّ ابنَ كَثِيرٍ قال في تفسير قوله تعالى: ﴿وَنَحۡنُ أَقۡرَبُ إِلَيۡهِ مِنۡ حَبۡلِ ٱلۡوَرِيدِ﴾ [ق: 16] وزعم أَنَّ هذا تَأْوِيلٌ من ابنِ كَثِيرٍ؛ فنقول له: ليس هذا من قَبِيل التَّأْوِيل الذي تدَّعيه؛ لأَنَّ الآية جاءت بلفظ الجَمْع: ﴿وَنَحۡنُ﴾.
([1])أخرجه: الطبراني في الكبير رقم (8987)، والدارمي في الرد على الجهمية رقم (81).