×
البيان لأخطاء بعض الكُتَّاب الجزء الأول

قال شيخُ الإِسْلام ابنِ تَيْمِيَّة رحمه الله في «مجموع الفتاوى» (5/ 507): «فإِنَّ مثل هذا اللفظ إِذَا ذَكَره الله تعالى في كتابه؛ دلَّ على أَنَّ المراد به أَنَّه سبحانه يفعل ذلك بجنوده من الملائكة؛ فإِنَّ صيغة ﴿وَنَحۡنُ [ق: 16] يقولها المتبوع المُطاعُ المُعظَّمُ الذي له جُنودٌ يتَّبعون أَمْرَه، وليس لأَحَدٍ جُندٌ يُطيعونه كطاعةِ الملائكةِ لربِّهم، وهو خالقُهم وربُّهم، وهو سبحانه العالم بما تُوسْوِس به نفسُه وملائكتُه تعلم، فكان لفظ: ﴿وَنَحۡنُ [ق: 16] هنا هو المُناسَب».

وقال: «سياق الآيتين يدُلُّ على أَنَّ المراد الملائكة؛ فإنه قال: ﴿وَلَقَدۡ خَلَقۡنَا ٱلۡإِنسَٰنَ وَنَعۡلَمُ مَا تُوَسۡوِسُ بِهِۦ نَفۡسُهُۥۖ وَنَحۡنُ أَقۡرَبُ إِلَيۡهِ مِنۡ حَبۡلِ ٱلۡوَرِيدِ ١٦  إِذۡ يَتَلَقَّى ٱلۡمُتَلَقِّيَانِ عَنِ ٱلۡيَمِينِ وَعَنِ ٱلشِّمَالِ قَعِيدٞ ١٧ مَّا يَلۡفِظُ مِن قَوۡلٍ إِلَّا لَدَيۡهِ رَقِيبٌ عَتِيدٞ [ق: 16- 18]، فقيَّد القُرْبَ بهذا الزَّمانِ، وهو زمان تلقِّي المُتَلقِّيَين، قعيدٌ عن اليمين، وقعيدٌ عن الشِّمال، وهُمَا الملكان الحافظان اللذان يكتبان، كما قال: ﴿مَّا يَلۡفِظُ مِن قَوۡلٍ إِلَّا لَدَيۡهِ رَقِيبٌ عَتِيدٞ [ق: 18]، ومعلومٌ أَنَّه لو كان المراد قُرْبُ ذات الرَّبِّ؛ لم يختصَّ ذلك بهذه الحالِ، ولم يكن لذِكْر القعيدَينِ والرَّقيبِ والعتيدِ من معنًى مُناسبٍ» انتهى.

ومنه تعلم أَنَّ ابنَ كَثِيرٍ رحمه الله لَمْ يُؤَوِّل الآيةَ الكريمةَ كما زعم الشَّيخُ الصَّابونيُّ.

14- قال: يجب التَّأْوِيل في بعض الأحيان، بل نقول: إِنَّه يتعيَّن التَّأْوِيل؛ كما في الحديثِ الصَّحيحِ: «الحَجَرُ الأَْسْوَدُ يَمِينُ اللهِ فِي أَرْضِهِ» ([1])، وكما قال تعالى عن سفينة نُوحٍ: ﴿وَحَمَلۡنَٰهُ عَلَىٰ ذَاتِ أَلۡوَٰحٖ وَدُسُرٖ ١٣ تَجۡرِي بِأَعۡيُنِنَا جَزَآءٗ لِّمَن كَانَ كُفِرَ [القمر: 13- 14]، فهل السَّفينة تجري في


الشرح

([1])أخرجه: عبد الرزاق رقم (8919)، والفاكهي في أخبار مكة رقم (17).