قال الحَافِظُ ابنُ رَجَبٍ في «شرح الأَرْبعين»:
«فمتى امْتَلَأَ القلْب بعَظَمة الله تعالى، محا ذلك من القلْب كلَّ ما سِواه،
ولمْ يُبْقِ للعبد شيءٌ من نفسه وهواه، ولا إرادةَ إلاَّ ما يُريده منه مولاه،
فحينئِذٍ لا ينطق العبد إلاَّ بِذِكْره، ولا يتحرَّك إلاَّ بأَمْره، فإِنْ نَطَقَ
نَطَقَ بالله وإِنْ سَمِعَ سَمِعَ به، وإِنْ نَظَرَ نَظَرَ به، وإِنْ بَطَشَ
بَطَشَ به» انتهى.
ويُوضِّح هذا قولُه
في آخِر الحديث: «وَلَئِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي
لَأُعِيذَنَّهُ»، فالله يسدِّده في تصرُّفاته، ويُعطيه ما سأله، ويُؤَمِّنه
ممَّا يخاف...
هذا ما يدُلُّ عليه
الحديث، ولا يحتمل غير هذا المعنى حتَّى يحتاج إِلَى تأْوِيل؛ لأَنَّه معلومٌ
قطعًا بالأَدِلَّةِ والفطْرِ والمعقولِ أَنَّ الله سبحانه لا يحلُّ في شيءٍ من
خلْقه؛ فلا حاجة إِلَى التَّأْوِيل، كما زعم الصَّابونِيُّ سامحه الله.
قال شيخُ الإِسْلام
ابنُ تَيْمِيَّةَ رحمه الله في «مجموع الفتاوى» (2/ 271- 272): «فالملاحدة
والاتحاديَّة يحتجُّون به «يعني: هذا الحديث» على قولهم؛ بقوله: «كُنْتُ
سَمْعَهُ، وبَصَرَهُ، ويَدَهُ، ورِجْلَهُ»، والحديث حُجَّةٌ عليهم من وجوهٍ
كثيرةٍ
منها قولُه: «مَنْ عَادَى
لِي وَليًّا؛ فَقَدْ بَارَزَنِي بِالْمُحَارَبَةِ»، فأَثْبَتَ مُعادِيًا
ومُحَارِبًا ووَلِيًّا غيرَ المُعادي، وأَثْبَتَ لنفسه سبحانه هذا وهذا.
ومنها قولُه: «وَمَا
تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِمِثْلِ مَا افْتَرَضْتُهُ عَلَيهِ»، فأَثْبَتَ عبْدًا
مُتقرِّبًا إِلَى ربِّه بما افْترض عليه من فرائض.
ومنها قولُه: «وَلاَ يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ»، فأَثْبَتَ مُتقرِّبًا ومُتقرَّبًا إليه، ومُحِبًّا ومحبوبًا غيرَه، وهذا كلُّه ينقض قولهم.