×
البيان لأخطاء بعض الكُتَّاب الجزء الأول

ونقول له: نحن لا نُكفِّرهم بذلك كما سبق، ولكنَّنا نُخطِئهم ونُضلِّلهم في مثل هذا التَّأَوِيلِ، وحمْل المُطلَق على المُقيَّد ليس هذا من موارده؛ لاختلاف المقصود من النَّصَّيْنِ، فكلٌّ منهما يُقصَد به غيرُ ما يُقصَد بالآخر، فمواردهما مختلفةٌ فيبقى كلُّ نصٍ على مدلوله، ولا يُحمَل أَحَدُهما على الآخَر.

قال العلاَّمةُ ابنُ القَيِّمِ في «الصواعق» (2/ 385- 386- المختصر): «الإِتْيان والمجيءِ من الله تعالى نوعان: مُطلَقٌ ومُقيَّد، فإِذَا كان مجيءُ رحْمتِه أَوْ عذابِه؛ كان مُقيَّدًا؛ كما في الحديث: «حَتَّى جَاءَ اللهُ بِالرَّحْمَةِ وَالْخَيْرِ»، ومنه قولُه تعالى: ﴿وَلَقَدۡ جِئۡنَٰهُم بِكِتَٰبٖ فَصَّلۡنَٰهُ عَلَىٰ عِلۡمٍ [الأعراف: 52]، وقولُه: ﴿بَلۡ أَتَيۡنَٰهُم بِذِكۡرِهِمۡ [المؤمنون: 71]، وفي الأَثَر: «لاَ يَأْتِي بِالْحَسَنَاتِ إلاَّ اللهُ» ([1]).

النَّوعُ الثَّاني: المجيءُ والإِتْيانُ المُطلَقُ؛ كقوله: ﴿وَجَآءَ رَبُّكَ وَٱلۡمَلَكُ [الفجر: 22]، وقوله: ﴿هَلۡ يَنظُرُونَ إِلَّآ أَن يَأۡتِيَهُمُ ٱللَّهُ فِي ظُلَلٖ مِّنَ ٱلۡغَمَامِ وَٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ [البقرة: 210]، وهذا لا يكون إلاَّ مجيئُه سبحانه، هذا إذا كان مطلقًا، فكيف إِذَا قُيِّد بما يجعله صريحًا في مجيئه نفسِه؛ كقوله: ﴿إِلَّآ أَن تَأۡتِيَهُمُ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ أَوۡ يَأۡتِيَ رَبُّكَ [الأنعام: 158]، فعَطَف مجيئَه على مجيءِ الملائكة، ثُمَّ عَطَف مجيءَ آياتِه على مجيئِه.

ومن المجيءِ المُقيَّدِ قولُه: ﴿فَأَتَى ٱللَّهُ بُنۡيَٰنَهُم مِّنَ ٱلۡقَوَاعِدِ [النحل: 26]، فلمَّا قيَّده بالمفعول، وهو البنيان، وبالمجرور، وهو ﴿ٱلۡقَوَاعِدِ؛ دلَّ ذلك على مجيء ما بيَّنه، إِذْ من المعلوم أَنَّ الله سبحانه إِذَا جاء بنفسه؛ لا يجيء من أساس الحِيطان وأَسْفَلِها». انتهى.


الشرح

([1])أخرجه: أبو داود رقم (3919)، وابن أبي شيبة رقم (26392).