فعل الإِمَامُ
مَالِكٌ رحمه الله حين قال للسَّائل: الاستواءُ معلومٌ، والكَيْفُ مجهولٌ،
والسُّؤَالُ عنه بِدْعةٌ... وقد كان بإمكانه أَنْ يقول له: الاستواءُ: هو الجلوس،
ألاَ تعرف الجلوس؟» انتهى.
والجواب أَنْ نقول: إِنَّ السَّلَف لم
يكونوا يتحاشُّون من ذِكْر معاني الصِّفات، لأَنَّهم يعلمونها، ويعتقدون معناها،
ألاَ تراهم فسَّروا الاستواء بأرْبعة معانٍ؛ كما ذكرْنا عنهم؟ إِنَّما كانوا
يتحاشُّون الخوضَ في الكَيْفيَّة؛ لأَنَّهم لا يعلمونها، والذي سأل الإمامَ
مَالِكًا لم يسأَلْه عن المعنى، إِنَّما سأله عن الكَّيفيَّة؛ فإِنَّه قال:
[البقرة: 29]، ولهذا قال له مَالِكٌ: «والكيْفُ مجهولٌ، والسُّؤَالُ عنه بِدعةٌ»؛
يعني: الكيْف.
9- قال: «وأَهْل
السُّنَّة قد اشتهروا بمذهبَين اثْنين؛ هما: الأَوَّلُ: مذهب السَّلَف،
والثَّانِي: مذهب الخَلَف، وكلُّ منهما لا يخرج عن مذهب أَهْل السُّنَّةِ
والجماعةِ».
والجواب عن ذلك أن
نقول: إذا كان مذهبُ الفريقين واحدًا؛ فلِمَاذا قسَّمْتَهم إلى سَلَفٍ وخَلَفٍ؟
وإن كان مذهبُ الفريقين مُختلِفًا - كما هو الواقع - فإِنَّه لا يصحُّ لُغةً ولا
شرْعًا ولا عقْلاً أنْ تجعلَهم جماعةً واحدةً في هذا البابِ، وتُطلِق عليهم جميعًا
أَهْلَ السُّنَّةِ والجماعةِ، مع أَنَّ المرادَ بأَهْل السُّنَّةِ والجماعةِ ما
وضَّحه النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بقوله: «هُمْ مَنْ كَانَ عَلَى مِثْلِ
مَا أَنَا عَلَيْهِ الْيَومَ وَأَصْحَابِي» ([1]).
فهل كان تأْويل الصِّفات أَوْ تفْويضُها الذي يفعله الخَلَفُ - كما ذكرتَه أَنْتَ عنهم - هل هو ممَّا كان عليه النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وأَصْحابُه ؟ !
([1])أخرجه: الترمذي رقم (2641).