وأَمَّا القضيَّة
الثَّانيةُ: وهي اخْتصاص عَلِيٍّ بهذا العلم الذي يُدرك به ما سِوى الخمس المذكورةِ في
الآية؛ فيرُدُّها ما رواه البُخَارِيُّ وأَحْمَدُ والنَّسَائِيُّ وأَبُو دَاوُدَ
والتِّرْمِذِيُّ عن أَبِي جُحَيفَةَ؛ قال؛ «قُلْتُ لعَلِيٍّ: هَلْ عِنْدَكُمْ
شَيْءٌ مِنَ الْوَحْيِ مَا لَيْسَ فِي الْقُرْآنِ؟ فَقَالَ: لاَ؛ وَالَّذِي فَلَقَ
الحَبَّةَ وَبَرَأَ النَّسَمَةَ، إلاَّ فَهْمًا يُعْطِيهِ اللهُ رَجُلاً فِي
الْقُرْآن، وَمَا فِي هَذِهِ الصَّحِيْفَةِ. قُلْتُ: وَمَا هَذِهِ الصَّحِيفَةُ؟
قَالَ: الْعَقْلُ، وَفِكَاكُ الأَْسِيرِ، وَأَنْ لاَ يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ»
([1]).
قال الشَّوكانيُّ: «قال
الحَافِظُ: وإِنَّما سَأَلَه أَبُو جُحَيفَةَ عن ذلك؛ لأَنَّ جماعةً مِن الشِّيْعة
كانوا يزْعُمون أَنَّ لأَهْل الْبَيْتِ - لاسيَّما عَلِيٍّ - اختصاصًا بشيءٍ مِن
الوَحْي لمْ يطَّلع عليه غيرُهم».
قال شَيْخُ
الإِسْلام ابنُ تَيْمِيَّةَ في «مِنْهاج السُّنَّة»: «وقد ثَبَتَ عنه في الصَّحيح
أَنَّه قال: والذي فَلَق الحَبَّة، وبَرَأَ النَّسَمَةَ، ما عهِد إِلَيَّ
النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم شيئًا لمْ يَعْهَده إِلَى النَّاس؛ إلاَّ مَا فِي
هذه الصَّحيفةِ؛ إلاَّ فهمًا يُؤْتِيه اللهُ عبدًا في كتابه».
وقال الشَّيْخ أَيْضًا: «وممَّا يُبيِّن أَنَّ عَلِيًّا ما كان يعلم المستقبلات أَنَّه كان في خِلافته وحُروبِه يظنُّ أَشْياءَ، فيتبيَّن له الأَمْر بخلاف ظنِّه، فلو عرف أَنَّه يجري ما جرى من قتل النَّاس، ولم يحصل المقصود؛ لما قاتل؛ فإِنَّه كان - لو لم يقاتل - في عِزٍّ ونَصْرٍ، ولو علم أَنَّه إِذَا حَكَّمَ الحَكَمَيْنِ يحكمان بما حَكَمَا به؛ لم يُحكِّمهما، فأَيْنَ علْمُه بالكوائن بعده؟!». انتهى بمعناه.
([1])أخرجه البخاري رقم (111).