إِلَى أَنْ قال: «وليس في الأَشْياء بِوَالِجٍ، ولا عنها بخارجٍ، يُخْبِر لا بلسانٍ
ولَهَوَاتٍ، ويَسْمَع لا بخُرُوقٍ وأَدَوَاتٍ، يقول ولا يتلفَّظ، يقول لمن أَرَادَ
كونه: كُنْ، فيكون، لا بصوتٍ يُقرَع، ولا بنِدَاءٍ يُسمَع، وإِنَّما كلامه
سُبْحانه فِعْلٌ منه أَنْشَأَهُ ومَثَّلَه، ولم يكن من قبل ذلك، ولو كان قديمًا
كان إِلَهًا ثانيًا».
إِلَى أَنْ قال: «هو الظَّاهر
عليها بسُلْطانه وعَظَمَتِه، وهو الباطن لها بعِلْمه ومَعْرِفَتِه، والعالي على
كلِّ شيءٍ منها بجلاله وعِزَّتِه».
انتهى ما أَرَدْنَا
نقْلَه من هذا الهَذَيَان الذي يُنزَّه اللهُ سبحانه وتعالى عنه ممَّا يُطابق اعتقاد
الجهميَّة والمعتزلةَ.
فيا عبادَ الله! يا
أَصْحابَ العقول! يا أَهْلَ الإيمان! هل ترون -بربِّكم- أَنَّ أَمِيرَ المؤمنين
عَلِيًّا بنَ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه وأَرْضَاه تكلَّم بهذا الكلام في حقِّ
الله؟ اللَّهُمَّ لاَ وأَلْف لاَ.
لكن؛ مع هذا كلِّه،
فالدَّكْتور في غير موضعٍ من كلامه يُصحِّح نِسْبة ما في هذا الكتاب إِلَى عَلِيِّ
بنِ أَبِي طَالِبٍ، حيث يقول: «وجُمْلة القول في «نَهْج البلاغة» أَنَّ الرَّضِيَّ
حين جَمَعَه كان يجمع شيئًا معروفًا في عصره بصِحَّة نِسْبته إِلَى الإِمَامِ
عَلِيٍّ رضي الله عنه ».
ويُبَرْهِنُ
الدَّكْتور على ذلك بقوله: «وإِلاَّ لاتَّجَهَ كثيرٌ من معاصريه إِلَى نقده».
ثُمَّ يقول: «ولم يُقيِّد
الرَّضِيِّ كُلَّ ما وَجَدَه من كلام الإِمَامِ، وإِنَّما اخْتَارَ منه ما يَثِقُ
في صِحَّةِ نِسْبتِه».
فكَأَنَّ الدَّكْتور
يُقَرِّرُ بهذا الكلام أَنَّه لا فائدةَ من الأَسَانيد ودِراستِها، لأَنَّه يكتفي
عنها بثِقَةِ المُؤَلِّفين في نظره.