وممَّا يدلُّ على
أَنَّ كتاب «نَهْج البلاغة» إِمَّا مِن وضْع المُرْتَضَى أَوْ له فيه مشاركةٌ
قويَّةٌ ما فيه مِن الاعتزاليَّات في الصِّفات، والمُرْتَضى كما ذُكر في ترجمته من
كبار المعتزلة.
ولكن؛ مع هذا كلِّه؛
فالدَّكْتور مُصِرٌّ في غير موضعٍ من بحثه على صِحَّة نِسْبة ما في الكتاب إِلَى
عَلِيِّ بنِ أَبِي طَالِبٍ، حيث يقول في بحثه: «وجُمْلة القول في «نَهْج
البلاغة» أَنَّ الرَّضيَّ حين جَمَعه كان يجمع شيئًا معروفًا في عصره بصِحَّة
نِسْبته للإِمَامِ عَلِيٍّ رضي الله عنه، وإِلاَّ لاتَّجه كثيرٌ من معاصريه إِلَى
نقده في عصرٍ كثُرتْ فيه الفِتَن بيْن الشِّيعةِ والسُّنَّةِ، وكانت الكلمةُ
الواحدةُ أَوْ اللَّمْزةُ كافيةً بإِحْراق أَحْياء من بغداد أَوْ هدْمِها، ولم
يُقيِّد الرَّضِيُّ كلَّ ما وَجَده من كلام الإِمَام وإِنَّما اخْتَار منه ما
يَثِق في صِحَّة نِسْبته».
ثُمَّ يعود
الدَّكْتور فيتردَّد في هذا الحُكْم، فيقول: ولكنَّ هذا الكتابَ لن
يسْلَمَ مِن الطَّعْن على بعض ما فيه حتَّى تقومَ دراسةٌ جادَّةٌ تبحث عن أُصُوله،
وتُوثِّق نُقُولَه، وتقولُ الكلمةَ الأَخِيرةَ فيه».
ويقول أَيْضًا: «وأَغْلب الظَّنِّ
أَنَّ ما في «نَهْج البلاغة» من الخُطَبِ المُطوَّلةِ تطرَّق إِلَيه عاملُ
التَّنْسيق والتَّنْظيمِ، وضُمَّ النَّظيرُ إِلَى النظير، ورُبِطَ ذلك كلُّه في
سياقٍ واحدٍ، وهو عملٌ يقتضي مِن صاحبه بعضَ التَّدخُّل لاستكمال معنًى، وللرَّبْط
بين الأَفْكار، وضمانِ تَسَلْسُلِها».
ويقول أَيْضًا: «ورُبَّمَا تُوسَّع
في ذلك بعده على نهجه؛ إِيْثارًا لوُلُوج النَّصيحة إِلَى قلوب النَّاس،
وتمكُّنِها مِن أَفْئِدتهم، وقد وُضِعَ من الأَحَاديث على الرَّسول الله صلى الله
عليه وسلم ومِن القِصَص في التَّرْغيب والتَّرْهيب ما أَقَام مدارسَ للحديث بعد
ذلك نفيًا للوضْع عن السُّنَّة واستخلاصًا لصحيحها».