8- في الصَّفْحات
(202- 206) لمَّا ذَكَر كلام الشَّيْخ في منع التَّوسُّل بالأَمْوات والاستغاثةِ
بِهم ومنعِ زِيارة القبور لقصْد التَّبَرُّك بِها وطلبِ الحاجات مِن الموتى ومنعِ
السَّفَر لزيارتِها؛ قال بعد ذلك: «ولقد خالف ابْنُ تَيْمِيَّةَ بقوله هذا
جُمْهُورَ المسلمين، بل تحدَّاهم في عُنْفٍ بالنِّسْبة لزيارة قبْر المُصْطَفَى
صلى الله عليه وسلم ونحن نُوافِق إِلَى حدِّ مَا على قوله في زيارة قبور الصَّالحين
والنَّذْرِ لها، ولكنْ نُخالِفه مُخالَفةً تامَّةً في زيارة الرَّوضةِ الشَّريفةِ،
وذلك لأَنَّ الأَسَاسَ الذي بُنِيَ عليه منعُ زيارة الرَّوضةِ الشَّريفةِ بقصْد
التَّبَرُّك والتَّيمُّن هو خشْيَةُ الوَثَنيَّة، وإِنَّ ذلك خوفٌ مِن غير مخافٍ؛
فإِنَّه إِذَا كان في ذلك تقديسٌ لمُحَمَّدٍ؛ فهو تقديسٌ لنَبِيِّ الوحدانيَّةِ،
وتقديسُ نَبِيِّ الوحدانيَّةِ إِحْيَاءٌ لها، إِذْ هو تقديسٌ للمعاني التي بُعِثَ
بِها...»
إِلَى أَنْ قال: «وإِنَّ الحديثَ
الذي رواه ابنُ تَيْمِيَّةَ وغيرُه وهو: «لاَ تُشَدُّ الرِّحَالُ إلاَّ إِلَى
ثَلاَثَةِ مَسَاجِدَ: المَسْجِدِ الحَرَامِ، وَمَسْجِدِي هَذَا، وَالْمَسْجِدِ
الأَْقْصَى» ([1])؛ يدلُّ على شَرَف
المسجد الذي دُفِنَ بجواره، وقد دُفِنَ ببَيْتِ عَائِشَةَ الذي كان أَقْرَبَ بيوتِ
أَزْوَاجِه إِلَيه، وقد كان مُتَّصِلاً بالمسجد، وأَنَّه لو أُرِيدَ منعُ زيارةِ
قبْرِه؛ لدُفِنَ في مكانٍ بعيدٍ؛ كالبقيع».
ثُمَّ قال: «وبعد؛ فإِنَّنا نُقرِّر أَنَّ التَّبَرُّكَ بزيارة قَبْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مُسْتَحْسَنٌ، وليس التَّقرُّب الذي نقصده عبادةً أَوْ قريبًا منها، إِنَّما التَّبَرُّكُ هو التَّذكُّر والاعْتِبارُ والاسْتِبْصارُ».
([1])أخرجه: البخاري رقم (1189)، ومسلم رقم (1397).