وقد رَوَى
الشَّيْخان عن عَائِشَةَ رضي الله عنها قالتْ: لَمَّا نَزَلَ بِرَسُولِ اللهِ صلى
الله عليه وسلم ؛ طَفِقَ يَطْرَحُ خَمِيصَةً لَهُ عَلَى وَجْهِهِ، فَإِذَا
اغْتَمَّ بِهَا؛ كَشَفَهَا، فَقَالَ وَهُوَ كَذَلِكَ: «لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى
اليَهُودِ وَالنَّصَارَى، اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ»؛
يُحَذِّرُ مِثْلَ مَا صَنَعُوا، وَلَوْلاَ ذَلكَ لَأُبْرِزَ قَبْرُهُ، غَيْرَ
أَنَّهُ خُشِيَ أَنْ يُتَّخَذَ مَسْجِدًا ([1]).
هذا هو القصْد مِن
دفْنه صلى الله عليه وسلم في حُجْرةِ عَائِشَةَ، وهو حمايةُ التَّوحيد وحمايةُ
قبْرِه أَنْ يُتَّخذَ مسجدًا، وليس القصْدُ ما توهَّمه الخُرافيُّون، أَنَّه
دُفِنَ في بيْتِ عَائِشَةَ؛ لأَجْل القُرْب مِن المسجد والتَّبَرُّك بقبْرِه صلى
الله عليه وسلم فقد كان يُحذِّر من اتِّخاذ القبور مساجدَ، ومن التَّبَرُّك بها،
ومِن بِنَاءِ المساجد على القبور؛ لأَنَّ هذا مِن وسائِلِ الشِّرْك، فدفْنُه صلى
الله عليه وسلم في بيْتِه لمنْع هذه الأَشْياءِ أَنْ تُمارس عند قبْرِه.
ثانيًا: زِيارة قبْرِه صلى
الله عليه وسلم الزِّيارةُ الشَّرعيَّةُ ليستْ ممنوعةً، بل هي مُستحبَّةٌ كزيارة
قبْرِ غيره إِذَا كان ذلك بدون سَفَرٍ، وكان القصْد السَّلامَ عليه والدُّعاءَ له
صلى الله عليه وسلم.
ثالثًا: قوله: «وأَنَّه لو
أُرِيدَ منْعُ زِيارةِ قبْرِه؛ لَدُفِنَ في مكانٍ بعيدٍ عن المسجد كالبَقِيع...».
أقول: معنى هذا الكلامِ
أَنَّه صلى الله عليه وسلم دُفِنَ في حُجْرَةِ عَائِشَةَ؛ لأَجْلِ أَنْ يُزارَ
ويُتَبَرَّكَ بقبْرِه على حدِّ قولِه.
وهذا فهْمٌ يُخالِف ما جَاءَ في الحديث الصَّحيحِ الذي تقدَّم ذِكْرُه، وهو أَنَّه دُفِنَ في بيْتِه؛ لمنْع أَنْ يُتَّخذَ قبْرُه مسجدًا.
([1])أخرجه: البخاري رقم (435)، ومسلم رقم (531).