ثُمَّ إِنَّ دفْنَه
في البَقِيعَ أَمْكنُ لزيارة قبْرِه والتَّبَرُّكِ به من دفْنِه في بيْتِه؛ عكس ما
يقول أَبُو زَهْرَةَ، فلو كان ما يقوله مشروعًا؛ لَدُفِنَ في البَقِيعَ؛ لتَمْكين
النَّاس مِن هذه المقاصد التي قالها.
وقوله: «وإِنَّا لنعجب مِن
استنكاره لزيارة الرَّوضة للتَّيمُّن والاسْتِئْناسِ مع ما رواه الأَئِمَّةُ
الأَعْلامُ من تسليمِهم على النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم كلَّما مرُّوا بقبْرِه
الشَّريفِ، وكانوا يذهبون إِلَيه كلَّما همُّوا بسَفَرٍ أَوْ أَقْبَلُوا مِن
سَفَرٍ».
والجواب عنه أن
نقول:
أَوَّلاً: لا عجب فيما
ذكرْتَ؛ لأَنَّ اسْتِنْكارَ ذلك هو الحقُّ؛ فإِنَّ زيارةَ الرَّوضةِ للتَّبَرُّك
والتَّيمُّنِ مقصدٌ شرعيٌّ بِدْعيٌّ، لم يُشرِّعْه رَسُولُ الله صلى الله عليه
وسلم وإِنَّما شَرَعَ زيارتَها للصَّلاة فيها وعبادةِ الله فيها.
ثانيًا: وأَمَّا
قوله: «إِنَّ الأَئِمَّةَ الأَعْلامَ يُسلِّمون على النَّبِيِّ صلى الله عليه
وسلم كُلَّما مرُّوا بقبْرِه أَوْ همُّوا بسَفَرٍ»؛ فهو قولٌ لا أَصْلَ له، ولا
دليلَ عليه، ولم يرْوِه الشَّيْخ عنهم، وإِنَّما رَوَي خلافَه، وهو أَنَّهم لم
يكونوا يتَردَّدون على قبْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم كُلَّما دَخَلوا
المسجد؛ لأَنَّ الرَّسُولَ صلى الله عليه وسلم نَهَى عن ذلك، فقال: «لاَ
تَتَّخِذُوا قَبْرِي عِيْدًا» ([1])؛ أَيْ: لا
تتَرَدَّدوا عليه وتجتمعوا حولَه، وإِنَّما كانوا يُسلِّمون عليه إِذَا قَدِموا
مِن سَفَرٍ؛ كما كان ابنُ عُمَرَ يفعل ذلك إِذَا قَدِمَ مِن سَفَرٍ، ولا يزيد على
قوله: «(السَّلامُ عليكَ يا رَسُولَ الله، السَّلامُ عَليكَ يا أَبَا بكرٍ،
السَّلامُ عليكَ يا أَبِي»)، ثُمَّ ينصرف.
ثُمَّ ما علاقة التَّسْليم على الرَّسُول صلى الله عليه وسلم بالرَّوضة؛ لأَنَّ الرَّوضةَ في المسجد، وقبْر الرَّسُول كان خارجَ مسجده في عهْد الصَّحابة رضى الله عنهم ؟ !
([1])أخرجه: أبو داود رقم (2042)، وأحمد رقم (8804)، والبيهقي في الشعب رقم (3865).