ز- قوله: «وبعد فإِنَّنا
نُقرِّر أَنَّ التَّبَرُّكَ بزيارة قبْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم
مُسْتحسَنٌ، وليس التَّبَرُّكُ الذي نقصده عبادةً أَوْ قريبًا منها، إِنَّما
التَّبَرُّكُ هو التَّذكُّر والاعْتِبارُ والاسْتِبْصارُ».
والجواب عن ذلك أَنْ
نقول:
أَوَّلاً: التَّبَرُّكُ
بقبْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وغيرِه مِن البِقاع والأَشْجارِ والأَحْجارِ
أَمْرٌ مُستقْبَحٌ وليس مُستحَسنًا إلاَّ عنْد الجُهَّال والقبوريِّين، وهو شِرْكٌ
بالله؛ لكونه تعلُّقًا على غير الله، وطلبًا للبركة من غيره.
ولمَّا رَأَى بعضُ
الصَّحابة - وكانوا حُدَثَاءَ عهْدٍ بالإِسْلام - أَنَّ المشركين يتبَرَّكون
بشجرةٍ، وطلبوا مِن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يجعل لهم شجرةً مثْلَها
يتبَرَّكون بِها؛ اسْتَنْكَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ذلك استنكارًا
شديدًا، وقال: «قُلْتُمْ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ كَمَا قَالَتْ بَنُو
إِسْرَائِيلَ لِمُوسَى: ﴿ٱجۡعَل لَّنَآ إِلَٰهٗا كَمَا لَهُمۡ ءَالِهَةٞۚ قَالَ إِنَّكُمۡ قَوۡمٞ تَجۡهَلُونَ﴾ [الأعراف: 138] »([1]).
فدلَّ هذا الحديثُ
على: أَنَّ مَن تبَرَّكَ بشجرةٍ، أَوْ حجرٍ، أَوْ قبْرٍ، أَوْ بُقْعَةٍ؛ فقدْ
أَشْرَك بالله، واتَّخَذ المُتبَرَّكَ به إِلَهًا.
ثانيًا: وأَمَّا
قوله: «وليس التَّبَرُّكُ الذي نقصده عبادةً أَوْ قريبًا منها، إِنَّما
التَّبَرُّكُ هو التَّذكُّر والاعْتبارُ والاسْتِبْصارُ».
فالجواب عنه: أَنَّ هذا مِن
جهْله بمعنى العبادة، وعدمِ تفريقه بين التَّبَرُّك وبيْن التَّذكُّر والاعتبارِ،
أَوْ هو يَتَجَاهَلَ ذلك مِن أَجْل التَّلْبيس على النَّاس.
فالعبادة اسْمٌ جامعٌ لكلِّ ما يُحبُّه الله ويرضاه مِن الأَعْمال والأَقْوالِ، ومنها الرَّغْبةُ والرَّهْبةُ والرَّجاءُ، ومنها التَّبَرُّكُ وهو طلب البَرَكة، ويكون بأَسْمائِه سُبْحانه.
([1])أخرجه: الترمذي رقم (2180)، وأحمد رقم (21897)، والطبراني في الكبير رقم (3291).