والقول الأَوَّلُ
أَرْجَحُ؛ لوجوهٍ:
أَحَدِها: أَنَّ الإِضْمارَ
على خلاف الأَصْل، فلا يُصارُ إِلَيه إلاَّ إِذَا لمْ يُمْكن تصحيحُ الكلام بدونه.
الثاني: أَنَّ ذلك يستلزم
إِضْمارَيْنِ:
أَحَدِهما: أَمَرْناهُمْ
بطاعتِنا. والثَّاني: فَخَالَفونا أَوْ عَصَونا... ونحو ذلك.
الثَّالثِ: أَنَّ ما بعد
الفاء في مثْل هذا التَّركيبِ هو المَأْمورُ به نفْسِه؛ كقولك: أَمْرْتُه فَفَعَل،
وأَمَرْتُه فَقَامَ، وأَمَرْتُه فَرَكِب؛ لا يفهم المُخاطَب غيرَ هذا.
الرَّابعِ: أَنَّه سبحانه
جَعَلَ سببَ هَلاكِ القَرْيةِ أَمْرُه المذكورُ، ومِن المعلوم أَنَّ أَمْرَه
بالطَّاعة والتَّوحيدِ لا يصلح أَنْ يكون سَبَبَ الهَلاك، بل هو سببًا للنَّجاة
والفوزِ، فإِنْ قِيل: أَمْرُه بالطَّاعة مع الفِسْق هو سببُ الهَلاك. قيل: هذا
يُبْطَل بـ:
الوجْهِ الخامسِ: وهو أَنَّ هذا
الأَمْرَ لا يختصُّ بالمُتْرفِين، بلْ هو سُبْحانه يَأْمُر بطاعتِه واتِّباعِ
رُسُلِه المُتْرفين وغيرِهم، فلا يصحُّ تخصيصَ الأَمْر بالطَّاعة بالمترفين» انتهى
المقصود منه.
وأَقُول: ممَّا يُؤَيِّد هذا
أَنَّ الأَمْرَ بالطَّاعة ليس المقصود منه أَنْ يَفْسِقَ المَأْمورُ؛ ليَحِقَّ
عليه الهَلاكُ، وإِنَّما المقصود منه سعادةُ المَأْمُور ونجاتُه مِن الهلاك.
وأَمَّا نفْيُكم يا فضيلةَ الشَّيْخ لوُجودِ الأَمْر الكونيِّ بالسُّوء، وقولُكم: «إِنَّما هو سبيلُ الاحْتمال والظنِّ، وسائِرُ الأَوَامِر بمعنى التَّكليف الشرعيِّ»؛ فهذا ردٌّ للأَْدِلَّةِ، وإِبْطالٌ لقول الأَئِمَّةِ الذين ذَكَرْنا بعضَ أَقْوالِهم.