×
البيان لأخطاء بعض الكُتَّاب الجزء الأول

وأَمَّا ما ذَكَرْتُم مِن أَقْوال المُفسِّرين الأُخْرى في تفسير الآية؛ فهي لا تلغي القولَ الذي ذَكرْناه، بل لا تَرْتَقي إِلَى درجته، وحسْبُك تقديمُ الإِمَام ابنِ كثيرٍ له على غيره، واقتصارُ ابْنِ سَعديِّ عليه، وترجيحُ ابْنِ القَيِّمِ له.

وعلى كلٍّ؛ فالأَمْر الكونيِّ القَدَرِيِّ ثابتٌ، وأَدِلَّتُه في القرآن كثيرةٌ في غير هذه الآية؛ مثْلُ قوله تعالى: ﴿إِنَّمَآ أَمۡرُهُۥٓ إِذَآ أَرَادَ شَيۡ‍ًٔا أَن يَقُولَ لَهُۥ كُن فَيَكُونُ [يس: 82]، وقوله: ﴿وَمَآ أَمۡرُنَآ إِلَّا وَٰحِدَةٞ كَلَمۡحِۢ بِٱلۡبَصَرِ [القمر: 50]، وقوله: ﴿أَتَىٰهَآ أَمۡرُنَا لَيۡلًا أَوۡ نَهَارٗا [يونس: 24].

وما ذكرْتُم من تفسير سيِّد قُطُبْ من تأْوِيل الإِرَادة بأَنَّه ترتُّبُ النَّتيجة على السَّبب، وتأْوِيلِ الأَمْرِ بأَنَّه إِنْشاءُ النَّتيجةِ الطَّبيعيةِ المترتَّبةِ على وجود المترفين؛ فهذه سفْسطةٌ مردودةٌ، وتأْويلٌ للصِّفات على طريقة المعتزلة وأَتْباعِهم، فهو قولٌ باطلٌ.

وأَمَّا قول فضيلتِكم: «أَمَّا أَنْ يصدر أَمْرُه عز وجل بما يكره من الأَعْمال، ثُمَّ يُعاقَب مُرْتكبُه؛ فبعيدٌ عن مفهوم الإِرَادة - أَيُّ: المشيْئَةِ - التي منها الشَّرعيُّ الذي عليه مدارُ الثَّواب والعقابِ، ومنها الكونيُّ الذي لا يَدانِ للإِْنْسانِ فيه ولا مسْؤُوليَّةِ عليه» انتهي.

«وأَقُول: كلام ُفضيلتِكم هذا عليه عِدَّةُ مُؤَاخذاتٍ:

الأُوْلى: أَنَّكُم خلطْتُم بيْن المشِيْئَةِ والإِرَادةِ، وجَعَلْتُموها شيئًا وَاحِدًا، والوَاقعُ أَنَّ بينهما فرقًا كبيرًا.

فالإِرَادةُ قِسْمان: إِرَادةٌ كونِيَّةٌ قَدَريَّةٌ؛ مثْلُ قولِه تعالى: ﴿إِن كَانَ ٱللَّهُ يُرِيدُ أَن يُغۡوِيَكُمۡۚ [هود: 34]، وإِرَادَةٌ دِينِيَّةٌ شرعيَّةٌ مثْلُ: ﴿وَٱللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيۡكُمۡ [النساء: 27]، ﴿ٱللَّهُ بِكُمُ ٱلۡيُسۡرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ ٱلۡعُسۡرَ [البقرة: 185].


الشرح