وأَمَّا
المشِيْئَةُ؛ فهي كونيَّةٌ فَقَطْ، تُرَادِف الإِرَادةَ الكونيَّةَ.
فيجب الفرْقُ
بيْنهما.
الثَّانية: قولُكم: «أَمَّا
أَنْ يصدر أَمْرُه عَزَّ شَأْنُه بما يكره، ثُمَّ يُعاقَبُ مُرْتكبُه؛ فبعيدٌ عن
مفهوم الإِرَادَة أَيْ: المشِيئَة».
ففي هذا القولِ
التَّصريحُ منكم بأَنَّ الله لا يَأْمُر بشيءٍ يكْرَهَه ثُمَّ يُعاقِب عليه، وهذا
هو قولُ القَدَريَّة الذين يَنْفُون تقديرَ الله للمعاصي ومعاقبتَه عليها، وقدْ
غلَّطهم الأَئِمَّةُ في ذلك وضلَّلوهم، وبيَّنوا أَنَّ مصدرَ هذا الغلَط هو عدمُ
تفريقِهم بيْن الإِرَادة الكونيَّةِ والإِرَادةِ الشَّرعيَّةِ، حيث ظنُّوا أَنَّ
كلَّ ما أَرَادَه الله؛ فقدْ رَضِيَه وأَحبَّه، وبِنَاءً على ذلك نَفَوا
الإِرَادةَ الكونيَّةَ القَدَريَّةَ تنزيهًا لله عن الظُّلْم - بزعمهم -، وأَنْتُم
نَفَيْتُم الأَمْرَ الكونيَّ، والمُؤَدَّى واحدٌ.
وليس تعذيبُ العُصاة
على معاصيهم ظلمًا لهم، وإِنْ كانتْ مقدَّرةً عليهم، وهُمْ مأْمُورون بِها أَمْرًا
كونيًّا؛ لأَنَّهم يُعذَّبون على أَعْمالِهم التي عملوها باختيارهم وإِرَادتِهم
بعد قيام الحُجَّة عليهم بإِرْسال الرُّسُل وإِنْزالِ الكتُبِ وتحذيرُهم منها،
وتقديرُها عليهم لا يُسوِّغ فعْلَهم، ولا يُعفيهم من مسؤُوليَّتها كما تقولون.
وقدْ ذَكَر شيْخُ
الإِسْلام ابنُ تَيْمِيَّةَ رحمه الله أَنَّ: «ما يُبْلَون به مِن الذُّنوب وإِنْ
كان خلقًا لله؛ فهو عُقوبةٌ لهم على عدم فعْل ما خَلَقَهم الله له، وفَطَرَهم
عليه؛ فإِنَّه خَلَقَهم لعبادته وحْدَه، ودلَّ عليه الفِطْرةُ، فلمَّا لم يفعلوا
ما خُلقوا له وما فُطِروا عليه؛ عُوقِبوا على ذلك...».
إِلَى أَنْ قال: «ومن تدبَّر
القُرْآنَ؛ تبيَّن له أَنَّ عامة ما يذكر الله في خلْق الكُفْر والمعاصي يجعله
جزاء لذلك العمل» انتهى. «مجموع الفتاوى» (8/ 222).