×
البيان لأخطاء بعض الكُتَّاب الجزء الأول

الثَّالثة: قولُكم في مطْلع كلامكم: «مع أَنَّ الفرْقَ شاسعٌ بيْن مُجرَّد صدور الإِرَادةِ الإِلهيَّة بشيءٍ ما وأَمْرَهُ سُبْحانه بذلك الشَّيءِ».

أَنَا لم أَقُلْ: إِنَّه لا فرْقَ بيْنهما، بل أَقُول إِنَّ الإِرَادةَ غيرُ الأَمْر، وكلٌّ منهما صفةٌ مستقِلَّةٌ.

الرَّابعة: اسْتدلالُكم على نفْي الأَمْر الكونيِّ القَدَرِيِّ بقوله تعالى: ﴿وَإِذَا فَعَلُواْ فَٰحِشَةٗ قَالُواْ وَجَدۡنَا عَلَيۡهَآ ءَابَآءَنَا وَٱللَّهُ أَمَرَنَا بِهَاۗ [الأعراف: 28] ؛ حيث قُلْتُم: «وسُرْعان ما يَأْتِي الرَّدُّ الحاسمُ القاصمُ بقوله: ﴿قُلۡ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَأۡمُرُ بِٱلۡفَحۡشَآءِۖ [الأعراف: 28].

وفي هذا الرَّدِّ إِخْبارٌ عامٌ ينفي كلَّ مُضادٍّ له، فهو سُبْحانه إِنَّما يَأْمُر بالعدْل والإِحْسان وإِيْتاءِ ذي القُرْبَى وكلُّ عملٍ مرضيٍّ يُؤَدِّي إِلَى صلاح الحياة والأَحْياءِ». انتهى.

ونقول: هذا اسْتدلالُ منكم على نفْي الأَمْر الكونيِّ، وهو استدلال في غير محلِّه، فالآية لا تعْني نفْيَ الأَمْر الكونيِّ، وإِنَّما تعْني نفْيَ الأَمْر الشَّرعيِّ: لأَنَّ المُشركين يزعمون أَنَّ الله قدْ شَرَعَ لهم الطَّوافَ بالبيْت وهُمْ عُراةٌ، فردَّ الله عليهم بأَنَّه سُبْحانه لم يَشْرَعْ هذا العملَ القبيحَ، وإِنَّما شَرَعَ القِسْطَ، وأَمَرَ به، وأَمَرَ بالإِخْلاصِ له في العبادة والدُّعاءِ. وبمُراجعةِ تفْسير الآية يتبيَّن هذا.

2- الملاحظة الثَّانيَّة: ما ذَكَر فضيلتُكم مِن اسْتغْراب تقيِّيدنا ما يُتَبَرَّك به مِنْ آثارِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بما انْفَصَلَ منه في حال حياته من عَرَقِه ورِيقِه وماءِ وُضوئِه.

وأَقُول: لا غرابةَ في ذلك؛ لأَنَّنا نقصد بذلك الرَّدَّ على الذين يتبَرَّكون بالأَمَاكن التي نزل فيها النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَوْ جَلَسَ فيها؛ كغَارِ حِرَاءٍ، وغَارِ ثَوْرٍ، وما أَشْبَهَ ذلك.


الشرح