وقال في «إعلام الموقِّعين»
(2/ 288- 289) بعد أن ذَكَرَ هذه المَنَازِلَ، وسمَّاها أوجهًا: « الثَّالث:
أن تكون مُوجِبَةً لِحُكْمٍ سَكَتَ القُرْآَنُ عن إيجابه، أو مُحَرِّمَةً لما
سُكِتَ عن تَحْرِيمِهِ.
ولا تخرج عن هذه
الأقسام؛ فلا تعارض بوجه ما، فما كان منها زائدًا على القرآن، فهو تَشْرِيعٌ
مُبْتَدَأٌ من النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم تجب طاعته فيه، ولا تحلُّ معصيته،
وليس هذا تقديمًا لها على كتاب الله، بل امتثالاً لما أمر الله به من طاعة رسوله،
ولو كان رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم لا يُطَاعُ في هذا القِسْمِ، لم يكن
لطاعته معنى، وسقطت طاعته المختصَّة به، وأنَّه إذا لم تجب طاعته إلاَّ فيما وافق
القرآن - لا فيما زاد عليه - لم يكن له طاعة خاصَّة تختصُّ به، وقد قال الله
تعالى: [النِّساء: 80] ». انتهى.
الوجه الرَّابع: أنَّ الحَدِيثَ
الَّذي ذَكَرَهُ لا يَصْلُحُ لِلاحْتِجَاجِ.
قال السُّيوطيُّ في
كتاب «مفتاح الجنَّة في الاحتجاج بالسُّنَّة»: «قال الشَّافعيُّ: احتجَّ عليَّ بعض
من ردَّ الأخبار بما روي أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «مَا
جَاءَكُمْ عَنِّي، فَاعْرِضُوهُ عَلَى كِتَابِ اللهِ...» الحديث. فَقُلْتُ له:
ما رَوَى هذا أَحَدٌ ثَبَتَ حَدِيثُهُ في شَيْءٍ صَغِيرٍ، وَلا كَبِيرٍ، وإنَّمَا
هِيَ رِوَايَةٌ مُنْقَطِعَةٌ عَنْ رَجُلٍ مَجْهُولٍ، وَنَحْنُ لا نَقْبَلُ مِثْلَ
هذه الرِّوايَةَ في شَيْءٍ». انتهى.
وقال في مقدِّمة هذا الكتاب: «وإنَّ ممَّا فَاحَ رِيحُهُ في هذا الزَّمان -وكان دارسًا بحمد الله منذ
أزمان- هو أنَّ قائلاً رافضيًّا زِنْدِيقًا أَكْثَرَ في كَلامِهِ أنَّ السُّنَّة
النَّبويَّةَ والأحاديث المَرْوِيَّةَ -زادها الله عُلُوًّا وَشَرَفًا- لا
يُحْتَجُّ بها، وأنَّ الحُجَّةَ في القرآن خاصَّةٌ، وَأَوْرَدَ على ذلك حديث: «مَا
جَاءَكُمْ عَنِّي، فَاعْرِضُوهُ عَلَى القُرْآَنِ، فَإِنْ وَجَدْتُمْ لَهُ
أَصْلاً، فَخُذُوا بِهِ، وَإِلاَّ فَرُدُّوهُ». هكذا سمعت هذا الكلام
بِجُمْلَتِهِ منه، وَسَمِعَهُ مِنْهُ خلائق غيري، فمنهم من لا يُلْقِي لذلك