﴿وَوُجُوهٞ يَوۡمَئِذِۢ بَاسِرَةٞ ٢٤ تَظُنُّ أَن يُفۡعَلَ بِهَا فَاقِرَةٞ﴾ [القيامة: 24- 25]
إذا فُسِّرَ قَوْلُهُ تعالى: ﴿إِلَىٰ رَبِّهَا نَاظِرَةٞ﴾ [القيامة: 23] بالرُّؤية؟
وإنَّ خَيْرَ ما يفسِّر القرآن هو القُرْآَنُ؛ فالله تعالى يقول في آخر سورة عبس: ﴿وُجُوهٞ يَوۡمَئِذٖ
مُّسۡفِرَةٞ ٣٨ ضَاحِكَةٞ مُّسۡتَبۡشِرَةٞ﴾ [عبس: 38- 39] ؛ مفسِّرًا
لقوله تعالى: ﴿وُجُوهٞ
يَوۡمَئِذٖ نَّاضِرَةٌ ٢٢ إِلَىٰ
رَبِّهَا نَاظِرَة﴾ [القيامة: 22- 23] ».
والجَوَابُ على ذلك
من وجهين:
الوَجْهُ الأوَّل: أنَّ المُنَاسَبَةَ
بَيْنَ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وُجُوهٞ يَوۡمَئِذٖ نَّاضِرَةٌ ٢٢ إِلَىٰ رَبِّهَا نَاظِرَة﴾ [القيامة: 22- 23] وبين
الآية الَّتي بعدها: ﴿وَوُجُوهٞ
يَوۡمَئِذِۢ بَاسِرَةٞ﴾ [القيامة: 24]: أنَّه - سبحانه - لمَّا ذكر ما يكرِّم
به أولياءه من نُضْرَةِ الوُجُوهِ وَحُسْنِهَا وما تُنَعَّمُ به زِيَادَةً على
ذلك؛ مِنَ النَّظر إلى وجهه الكريم، ذَكَرَ حالة أعدائه، وما يَلْقَوْنَهُ من
العذاب الأليم الَّذي يظهر أثره على وجوههم، وَأَعْظَمُ ذلك حِرْمَانُهُم مِنْ رُؤْيَة
ربِّهم عز وجل كما قال تعالى: ﴿كَلَّآ إِنَّهُمۡ عَن رَّبِّهِمۡ يَوۡمَئِذٖ لَّمَحۡجُوبُونَ﴾ [المطففين: 15].
وكثيرًا ما
يُقَارِنُ اللهُ - سُبْحَانَهُ - في كتابه بين حَالِ أَهْلِ السَّعادة، وَحَالِ
أَهْلِ الشَّقاوة في الآخرة؛ ليذكِّر عِبَادَهُ؛ حتَّى يأخذوا بأسباب السَّعادة،
ويتركوا أسباب الشَّقاوة.
الوجه الثَّاني: أنَّ آية عبس: ﴿وُجُوهٞ يَوۡمَئِذٖ
مُّسۡفِرَةٞ﴾ [عبس: 38] لَيْسَتْ مُفَسِّرَةً لِقَوْلِهِ تعالى: ﴿إِلَىٰ رَبِّهَا نَاظِرَة﴾ [القيامة: 23] كما
يقول؛ لأنَّ النَّظَرَ غَيْرُ الإسفار؛ فالنَّظر يَكُونُ بِالعَيْنِ، والإِسْفَارُ
لَوْنٌ يَظْهَرُ على الوجه، وربَّما يكون نَتِيجَةً للنَّظرِ إلى الشَّيء
السَّارِّ المُفْرِحِ؛ فالمؤمنون يجمع الله لهم بين نضرة الوجوه وإسفارها، ونظر
العيون إلى وجهه الكريم.