بها سوءًا، وحمَّلْتَها ما لم تَقُلْ، ولو كانت
أرادت ما ذكرت - وحاشاها من ذلك - لردَّ عليها الصَّحابة بالآيات والأحاديث
المثبتة للرُّؤية في الآخرة؛ فهم أجلُّ من أن يسكتوا على ما يخالف الكتاب
والسُّنَّة، وأن يجاملوا أحدًا في ذلك.
قال الإِمَامُ ابْنُ
كَثِيرٍ رحمه الله: «ولهذا كَانَتْ أمُّ المُؤْمِنِينَ عَائِشَةُ رضي الله
عنها تُثْبِتُ الرُّؤية في الدَّار الآخرة، وتنفيها في الدُّنيا، وتحتجُّ بهذه
الآية».
الوجه الثَّاني: أنَّ نَفْيَ رؤية
الله في الدُّنيا وَإِثْبَاتَهَا في الآخرة، ليس تَغَيُّرًا، أو تَبَدُّلاً في
صفات الله؛ كما توهَّمْتَ، وإنَّما هو تَغَيُّرٌ لِصِفَاتِ المَخْلُوقِ؛ مِنْ
كَوْنِهِ لا يَقْوَى على رؤية الله في الدُّنيا؛ لِضَعْفِ قُوَاهُ وَحَوَاسِّهِ،
ثمَّ يَقْوَى على ذلك في الآخرة؛ لِمَا يَمْنَحُهُ اللهُ مِنَ الاسْتِعْدَادِ
لذلك، وَأَحْوَالُ الآَخِرَةِ غَيْرُ أَحْوَالِ الدُّنيا؛ فقياسك لحالة الدُّنيا
على حالة الآخرة قِيَاسٌ مع الفارق، والقياس إذا كان مع الفارق، فهو قِيَاسٌ
بَاطِلٌ بالإجماع.
الوجه الثَّالث: أنَّ قَوْلَهُ
تعالى: ﴿لَّا
تُدۡرِكُهُ ٱلۡأَبۡصَٰرُ﴾ [الأنعام: 103] ليس نَفْيًا للرُّؤيَةِ، وإنَّمَا هو
نَفْيٌ للإِدْرَاكِ، وهو الإِحَاطَةُ؛ فالأَبْصَارُ تَرَاهُ في الآخرة، ولا
تُحِيطُ به سُبْحَانَهُ.
ولهذا اسْتَدَلَّ
أَهْلُ السُّنَّةِ بِهَذِهِ الآيَةِ على إِثْبَاتِ الرُّؤْيَةِ؛ لأنَّ نَفْيَ
الإِدْرَاكِ يَلْزَمُ مِنْهُ وُجُودُ الرُّؤْيَةِ، والإِدْرَاكُ أَخَصُّ مِنَ
الرُّؤْيَةِ، ولا يَلْزَمُ مِنْ نَفْيِ الأَخَصِّ انْتِفَاءُ الأَعَمِّ.
قال الإمامُ ابْنُ
كَثِيرٍ: «وَنَفْيُ الإدراك الخَاصِّ لا يَنْفِي الرُّؤْيَةَ؛ يَوْمَ القيامة
يتجلَّى لِعِبَادِهِ المؤمنين كما يشاء، فأمَّا جلاله وعظمته على ما هو عليه -
تعالى وتقدَّس وتنزَّه - فلا تدركه الأبصار، ولهذا كانت