هل هذا إلاَّ عَيْنُ
المُكَابَرَةِ؟! ﴿سُبۡحَٰنَكَ
هَٰذَا بُهۡتَٰنٌ عَظِيمٞ﴾ [النور: 16] ؛ إنَّ كَلامَهُ هَذَا بَاطِلٌ
مِنْ عِدَّةِ وُجُوهٍ:
الوجه الأوَّل: أنَّ المُرَادَ
بالآية - كما قال المفسِّرون - النَّهْيُ عَنْ أَسْئِلَةِ التَّعنُّتِ الَّتي
كَانَ يُوَجِّهُ مِثْلَهَا اليَهُودُ إلى موسى، ومنها السُّؤالُ عَنِ الأشياء
قَبْلَ وُقُوعِهَا.
ولم يَكُنِ المؤمنون
يَسْأَلُونَ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم أن يُرِيَهُمُ اللهَ فِي الدُّنْيَا،
حتَّى يَصِحَّ لَهُ حَمْلُ الآَيَةِ عَلَيْهِ.
الوجه الثَّاني: أنَّ طَلَبَ
اليَهُودِ والمشركين رُؤْيَةَ الله في الدُّنيا هو من باب التَّحدِّي للرُّسُل،
وَعَدَمِ الإيمان برسالتهم: ﴿لَن نُّؤۡمِنَ لَكَ حَتَّىٰ نَرَى ٱللَّهَ جَهۡرَةٗ﴾ [البقرة: 55]، ﴿وَقَالَ
ٱلَّذِينَ لَا يَرۡجُونَ لِقَآءَنَا لَوۡلَآ أُنزِلَ عَلَيۡنَا ٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ
أَوۡ نَرَىٰ رَبَّنَاۗ﴾ [الفرقان: 21]، والمطلوب منهم الإيمان بالغيب،
وَتَصْدِيقُ الرُّسُلِ؛ لأنَّهم إذا رأوا الله تعالى في الدُّنيا، لم يكن إيمانهم
به إيمانًا بالغيب، ولا تصديقًا للرُّسل.
الوجه الثَّالث: أنَّ سُؤَالَ
رُؤْيَةِ الله تعالى في الآخرة، والنَّظَرَ إلى وَجْهِهِ الكَرِيمِ، ليس من جِنْسِ
سُؤَالِ اليَهُودِ والمشركين رُؤْيَتَهُ في الدُّنْيَا؛ فالأوَّل مشروع، وهذا
ممنوع.
وقد سأل النَّبيُّ
صلى الله عليه وسلم في دُعَائِهِ رَبَّه النَّظَرَ إلى وَجْهِهِ الكريم؛ كما رَوَى
الإِمَامُ أَحْمَدُ، وابْنُ حِبَّانَ، وَالحَاكِمُ في «صَحِيحَيْهِمَا» أنَّه
كَانَ يَقُولُ: «اللَّهُمَّ بِعِلْمِكَ الْغَيْبَ، وَقُدْرَتِكَ عَلَى
الْخَلْقِ، أَحْيِنِي مَا عَلِمْتَ الْحَيَاةَ خَيْرًا لِي، وَتَوَفَّنِي إِذَا
عَلِمْتَ الْوَفَاة خَيْرًا لِي، وَأَسْأَلُكَ خَشْيَتَكَ فِي الْغَيْبِ
وَالشَّهَادَةِ، وَكَلِمَةَ الْحَقِّ فِي الْغَضَبِ وَالرِّضَا، وَالْقَصْدَ فِي
الْفَقْرِ وَالْغِنَى، وَلَذَّةَ النَّظَرِ إِلَى وَجْهِكَ، وَالشَّوْقَ إِلَى
لِقَائِكَ، مِنْ غَيْرِ ضَرَّاءَ