فهو جَائِزٌ، وإن
كان المُرَادُ به التَّوسُّلَ بذواتهم أو بحقِّهم أو جاههم، فهو غَيْرُ جَائِزٍ،
وقد بيَّنَّاهُ فِيمَا سَبَقَ.
وأمَّا التَّوسُّلُ
بالأَمْوَاتِ، فلا يَجُوزُ بِحَالٍ مِنَ الأَحْوَالِ، وقد عَدَلَ عُمَرُ بْنُ
الخَطَّابِ والصَّحَابَةُ مَعَهُ عَنِ التَّوسُّلِ بالنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم
بَعْدَ مَوْتِهِ، إلى التَّوسُّل بدعاء عمِّه العبَّاس رضي الله عنه في قصَّة
الاستسقاء، وما فعلوا ذلك إلاَّ لعلمهم أنَّ التَّوسُّل بالميِّت لا يجوز.
ونقول ثانيًا: ما نَسَبْتَهُ إلى
الإمام مالك من إجازة التَّوسُّل اعتمادًا على القصَّة الَّتي ذكرتها له مع
المنصور، فهو باطل من أساسه؛ لأنَّ الحِكَايَةَ المذكورة مَكْذُوبَةٌ على مَالِكٍ،
ومَالِكٌ وَغَيْرُهُ من الأئمَّةِ يَرَوْنَ أنَّ الرَّجُلَ إذا سلَّم على
النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وأراد أن يدعو لنفسه، فإنَّه يستقبل القبلة.قال شيخ
الإسلام ابن تيميَّة رحمه الله في «مجموع الفتاوى» (1/ 353): «والحكاية التي تُذكر
عن مالك أنَّه قال للمنصور لمَّا سأله عن استقبال الحجرة، فأمره بذلك، وقال: «هو
وَسِيلَتُكَ وَوَسِيلَةُ آبيك آدم» كَذِبٌ على مالك، ليس له إِسْنَادٌ مَعْرُوفٌ؛
فهو خِلافُ الثَّابت المَنْقُولِ عنه بأسانيد الثِّقات من كتب أصحابه». انتهى.
أمَّا بقيَّة
الَّذين نسبتَ إليهم القول بجواز التَّوسُّل بالصَّالحين بعد موتهم، فإن صَحَّ ذلك
عنهم، فقد أخطأوا، وخالفوا الأدلَّة، وحينئذٍ لا عبرة بقولهم، وإنَّ العِبْرَةَ
بقول من يوافق الدَّليل.
قال شيخ الإِسلام
ابن تيميَّة في «مجموع الفتاوى» (1/ 318): «فأمَّا المتوسِّل بذاته «أي: النَّبيَّ
صلى الله عليه وسلم » في حضوره، أو مغيبه، أو بعد موته - مثل الإقسام بذاته أو
بغيره من الأنبياء أو السُّؤال بنفس ذواتهم لا بدعائهم - فليس هذا مشهورًا عند
الصَّحابة والتَّابعين، بل عُمَرُ بن