إلى أن قال (1/ 146): «وإن
أَثْبَتَهُم وَسَائِطَ بين الله وبين خَلْقِهِ؛ كالحجَّاب الَّذين بين المَلِكِ
ورعيَّته، بحيث يكونون هم يرفعون إلى الله حوائج خَلْقِهِ؛ فالله إنَّما يهدي خلقه
ويرزقهم بتوسُّطهم؛ فالخَلْقُ يسألونهم، وهم يسألون الله، كما أنَّ الوسائط عند
الملوك يسألون الملوك الحوائج للنَّاس؛ لقربهم منهم، والنَّاس يسألونهم أدبًا منهم
أن يُباشروا سؤال الملك، أو لأنَّ طلبهم من الوسائط أَنْفَعُ لهم مِنْ طَلَبِهِمْ
مِنَ المَلِكِ؛ لكونهم أَقْرَبَ إلى المَلِكِ مِنَ الطَّالب للحَوَائِجِ.
فمَن أثبتهم وسائط
على هذا الوجه، فهو كافر مُشْرِكٌ يجب أن يُستتاب، فإن تاب، وإلاَّ قُتِلَ، وهؤلاء
مشبِّهون، شبَّهوا المخلوق بالخالق، وجعلوا لله أندادًا، وفي القرآن من الرَّدِّ
على هؤلاء ما لم تتَّسع له هذه الفتوى». انتهى.
رابعًا: نسب البهنساويُّ
لبعض الأئمَّة أنَّهم يجيزون التَّوسُّل بالأنبياء؛ حيث قال: «قال جمهور من
الفقهاء: إنَّه يجوز التَّوسُّل بالأنبياء والصَّالحين حَالَ حياتهم، وبعد مماتهم.
قاله مالك والسُّبكيُّ والكرمانيُّ والنَّوويُّ والقسطلانيُّ والسَّمهوديُّ وابن
الحاجِّ وابن الجزريِّ.
فقد روي أنَّ مالكًا
رحمه الله سأله أبو جعفر المنصور ثاني خلفاء بني العبَّاس، فقال: يا أبا عبد الله،
أَسْتَقْبِلُ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأدعو، أم أستقبل القبلة وأدعو؟ فقال
له مالك: وَلِمَ تَصْرِفُ وجهك عنه، وهو وَسِيلَتُكَ وَوَسِيلَةُ أَبِيكَ آدَمَ
عليه السلام إلى يوم القيامة، بل اسْتَقْبِلْ، واستشفع به. فيشفِّعه الله». انتهى
كلامه.
ونقول:
أوَّلاً: أمَّا التَّوسُّل
بالأحياء، وإن كان المُرَادُ به التَّوسُّلَ بِدُعَائِهِم،