اسْتِغَاثَةٌ به، بل العامَّة الَّذين يتوسَّلون
في أدعيتهم بأمور؛ كقول أحدهم: أتوسَّل إليك بحقِّ الشَّيخ فلان، أو بحرمته، أو
أتوسَّل إليك باللَّوح، والقلم، أو بالكعبة، أو غير ذلك ممَّا يقولونه في أدعيتهم؛
يعلمون أنَّهم لا يستغيثون بهذه الأمور؛ فإنَّ المُسْتَغِيثَ بالنَّبيِّ صلى الله
عليه وسلم طَالِبٌ منه وسائل له، والمتوسِّل به لا يدعو، ولا يطلب منه شيئًا، ولا
يسأل، وإنَّما يطلب به، وكلُّ أحد يفرِّق بين المدعو، والمدعو به».
إلى أن قال: «ولو قال قائل لمن
يستغيث به: أسألك بفلان، أو بحقِّ فلان...» إلى آخِرِ ما نقله البهنساويُّ،
فاتَّضح أنَّ مُرَادَ الشَّيخ بَيَانُ الفَرْقِ بين التَّوسُّل والاستغاثة؛ ردًّا
على مَن سوَّى بينهما، وليس مراده أنَّ التَّوسُّلَ بالمخلوق جَائِزٌ؛ كما توهَّمه
البهنساويُّ، ونسبه إلى الشَّيخ بقوله: «ولكنَّ ابْنَ تيميَّة يرى أنَّ هذا
النَّوعَ من التَّوسُّل جَائِزٌ، إن كان توسُّلاً بالأنبياء، وغير جائز لمن عداهم».
وإليك ما قاله
الشَّيخ في هذا الموضوع من «مجموع الفتاوى» (1/ 318)؛ قال رحمه الله: «وأجمع
أهل العلم على أنَّ الصَّحابة كانوا يستشفعون به، ويتوسَّلون به في حياته بحضرته؛
كما ثبت في «صحيح البخاريِّ» عن أنس بن مالك، أنَّ عمر بن الخطَّاب كان إذا
أقحطوا، استسقى بالعبَّاس بن عبد المطَّلب، فقال: «اللَّهُمَّ إِنَّا كُنَّا
إِذَا أَجْدَبْنَا نَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِنَبِيِّنَا فَتَسْقِينَا، وَإِنَّا
نَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِعَمِّ نَبِيِّنَا فَاسْقِنَا» ([1]).
والتَّوسُّل بالنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم الَّذي ذكره عمر بن الخطَّاب قد جاء مفسَّرًا في سائر أحاديث الاستسقاء، وهو من جنس الاستشفاع به، وهو أن يطلب منه الدُّعاء، والشَّفاعة....».
([1])أخرجه: البخاري رقم (1010).