فهو ما يوجب
صَرْفَهَا عن ظواهرها، فعلى قول هؤلاء يكون الأنبياء والمرسلون لا يعلمون معاني ما
أَنْزَلَ الله عليهم من هذه النُّصوص، ولا المَلائِكَةُ، ولا السَّابقون
الأوَّلون، وحينئذٍ فيكون ما وصف الله به نَفْسَهُ في القرآن، أو كثيرٌ ممَّا
وَصَفَ اللهُ به نَفْسَهُ، لا يعلم الأنبياء معناه، بل يقولون كلامًا لا يعقلون
معناه...».
إلى أن قال: «ومعلوم أنَّ هذا
قدحٌ في القرآن والأنبياء، إذا كان الله أنزل القرآن، وأخبر أنَّه جعله هدىً
وبيانًا للنَّاس، وأمر الرَّسول أن يُبَلِّغَ البلاغ المبين، وأن يُبيِّن للنَّاس
ما نُزِّل إليهم، وأمر بتدبُّر القرآن وعقله، ومع هذا فأشرف ما فيه - وهو ما أخبر
به الرَّبُّ عن صفاته، أو عن كونه خالقًا لكلِّ شيء، وهو بكلِّ شيء عليم، أو عن
كَوْنِهِ أَمْرًا وَنَهْيًا وَوَعْدًا وَتَوَعُّدًا، أو عمَّا أخبر به عن اليوم
الآخر - لا يَعْلَمُ أَحَدٌ معناه؛ فلا يُعْقََلُ، ولا يُتَدَبَّر، ولا يَكُونُ
الرَّسولُ بَيَّنَ للنَّاسِ مَا نُزِّلَ إليهم، ولا بلَّغ البَلاغَ المُبِينَ».
انتهى.
وقال رحمه الله في
الرِّسالة المُسَمَّاةِ بـ «الإكليل في المتشابه والتَّأويل»: «وأمَّا إدخال أسماء
الله وصفاته أو بَعْضِ ذلك في المتشابه الَّذي استأثر الله بعلم تأويله، فنقول: ما
الدَّلِيلُ على ذلك؛ فإنِّي ما أَعْلَمُ عَنْ أَحَدٍ مِنْ سَلَفِ الأئمَّةِ ولا
مِنَ الأئمَّةِ، لا أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ، ولا غَيْرَهُ، أنَّه جَعَلَ ذلك من
المتشابه الدَّاخل في هذه الآية، ونفى أن يَعْلَمَ أَحَدٌ معناه، وجعلوا أسماء
الله وصفاته بمنزلة الكلام الأعجميِّ الَّذي لا يُفْهَم، وإنَّما قالوا كلمات لها
معانٍ صحيحة؛ قالوا في أحاديث الصِّفات: تَمَرُّ كما جاءت، ونهوا عن تأويلات
الجهميَّة، وردُّوها، وأبطلوها، الَّتي مضمونها تعطيل النُّصوص عمَّا دلَّت عليه،
ونصوص