ولمَّا حصل شجارٌ
بين رجل من المهاجرين، ورجل من الأنصار، فقال المهاجريُّ: يا للمهاجرين! وقال
الأنصاريُّ: يا للأنصار! أنكر النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم عليهما هذه النخوة
الجاهليَّة، وقال: «أَبِدَعْوَى الجَاهِلِيَّةِ وَأَنَا بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ؟!»،
وقال: «دَعُوهَا؛ فَإِنَّهَا مُنْتِنَةٌ» ([1]).
وقال تعالى: ﴿إِنَّمَا ٱلۡمُؤۡمِنُونَ
إِخۡوَةٞ﴾ [الحجرات: 10]، ولم يفرِّق بين جنسيَّاتهم، ولم تنفع أبا جهل وأبا لهب
عروبتهما، ولم تضرَّ بلالاً الحبشيَّ، وسلمان الفارسيَّ، وعمَّار بن ياسر؛ لم
يضرَّ هؤلاء عدم عروبتهم، حيث أصبحوا من سادة المسلمين، فكيف يُقال بعد هذا: إنَّ
الإِسلام والعروبة والقوميَّة شيءٌ واحدٌ، وأشكالٌ مجازيَّة لمضمون واحد؟! هل هذا إلاَّ
جمع بين ما فرَّق الله؟!
ثمَّ إذا كانت بمعنى
واحد؛ فلأيِّ شيء جاء الإسلام؟! وما وظيفته في الحياة؟! وهل هو على هذا الاعتبار
إلاَّ تحصيل حاصل، وتكرار لمضمون واحد؟!
ثمَّ إذا كانت العروبةُ والقوميَّةُ هما والإِسلام شيء واحد، فلماذا لم تؤدِّ القوميَّة والعروبة دور الإِسلام قبل وجوده؟! ألم يكن العرب قبل الإِسلام ضالِّين في عقائدهم، منقسمين على أنفسهم، لا تجمعهم رابطة، ولا تهدأ بينهم حرب، يتسلَّط قويُّهم على ضعيفهم، ولا يراعون فيما بينهم عروبة ولا قوميَّة، وقد ذكَّرهم الله تعالى بهذا في قوله: ﴿وَٱذۡكُرُواْ نِعۡمَتَ ٱللَّهِ عَلَيۡكُمۡ إِذۡ كُنتُمۡ أَعۡدَآءٗ فَأَلَّفَ بَيۡنَ قُلُوبِكُمۡ فَأَصۡبَحۡتُم بِنِعۡمَتِهِۦٓ إِخۡوَٰنٗا﴾ [آل عمران: 103].
([1])أخرجه: البخاري رقم (4905)، ومسلم رقم (2584).