فلم يكن تفضيل
المسجد النَّبويِّ من أجل القبر، بل لأنَّه أحد مساجد الأنبياء الَّتي تُشَدُّ
الرِّحال للصَّلاة فيها، وفضيلته ثابتة قبل إدخال الحجرة فيه، والَّذين أدخلوا الحجرة
فيه إنَّما قصدوا التَّوسعة، وحصل دخولها تبعًا، لا قصدًا.
2- استدلَّ على
مشروعيَّة زيارة قبر الرَّسول صلى الله عليه وسلم بقوله تعالى: ﴿وَلَوۡ أَنَّهُمۡ إِذ
ظَّلَمُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ جَآءُوكَ فَٱسۡتَغۡفَرُواْ ٱللَّهَ وَٱسۡتَغۡفَرَ لَهُمُ
ٱلرَّسُولُ لَوَجَدُواْ ٱللَّهَ تَوَّابٗا رَّحِيمٗا﴾ [النساء: 64].
وبالحكاية المرويَّة
عن العتبيِّ أنَّ أعرابيًّا جاء إلى قبر النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، فقال:
السَّلام عليك يا رسول الله! سمعتُ الله يقول: ﴿﴿وَلَوۡ أَنَّهُمۡ إِذ ظَّلَمُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ جَآءُوكَ فَٱسۡتَغۡفَرُواْ
ٱللَّهَ وَٱسۡتَغۡفَرَ لَهُمُ ٱلرَّسُولُ لَوَجَدُواْ ٱللَّهَ تَوَّابٗا رَّحِيمٗا﴾ [النساء: 64] إلى آخر القصَّة.
والجواب أن نقول: أمَّا الآية فلا
يصحُّ الاستدلال بها على مشروعيَّة زيارة القبر؛ لأنَّ المَقْصُودَ بها المَجِيءُ
إليه صلى الله عليه وسلم في حياته؛ وذلك لأمور:
1- أنَّه - سبحانه -
قال: ﴿جَآءُوكَ﴾، [النساء: 64] ولم
يقل: جاءوا إلى قبرك. وَمَعْلُومٌ أنَّه لو قال شخص لآخر: ائتني لأعطيك كذا، أو
لأعمل لك كذا، لم يفهم المخاطب أنَّ المُرَادَ المَجِيءُ إلى قبر القائل بعد موته،
وإنَّما يفهم أنَّ المُرَادَ المَجِيءُ إليه في حياته خاصَّة.
2- أنَّه - سبحانه - قال: ﴿وَٱسۡتَغۡفَرَ لَهُمُ ٱلرَّسُولُ﴾ [النساء: 64] ؛ واستغفار الرَّسول صلى الله عليه وسلم إنَّما يكون في حياته، لا بعد موته؛ لأنَّ الميِّت لا يتأتَّى منه الاستغفار لأحد؛ لأنَّه عمل، والميِّت قد انقطع عمله؛ كما في الحديث: «إِذَا مَاتَ ابْنُ آَدَمَ، انْقَطَعَ عَمَلُهُ...» ([1]).
([1])أخرجه: مسلم رقم (1631).