ومن العجيب أيضًا كون الأستاذ أحمد - وفَّقه
الله - يَنْعَى على المتشدِّدين في الفتوى، وهو ينحو هذا المنحى كما سبق بيانه،
وينعى أيضًا على المتساهلين فيها، وهو يتساهل، وذلك حين يقول: «إذ ليس من
المعقول أن يكون ما يصل من قطرات الدَّواء عن طريق الأنف والفم أو الأذن أكلاً أو
شربًا يُفْطِرُ به الصَّائم».
ويعتمد في قوله هذا
على ظاهريَّة ابن حزم الَّذي ذَكَر عنه قبل ذلك أنَّه يقصر المفطرات على الأكل
والشُّرب والجماع؛ فأيُّ تساهل في الفتوى أعظم من هذا التَّساهل؟! وأيُّ تناقض
أعظم من هذا التَّناقض؟!
وأخيرًا أشكر
للأستاذ أحمد إتاحة هذه الفرصة للمناقشة، وأرحِّب منه بكلِّ نقد هادف، لكن لا أسمح
له أن يصفني بالتَّشدُّد ما دمتُ لم أخرج عن مقتضى قول جمهور فقهاء السَّلف
باعترافه، وما دُمْتُ أمشي على الأصل؛ وهو أنَّ الصَّائم مأمور بالإِمساك عن سائر
المفطرات، ومنها الأكل والشُّرب وما في حكمهما ممَّا يصل إلى الحَلْقِ لغرض
التَّداوي وغيره، لا سيَّما وهو لم يعتمد في فتواه إلاَّ على قول ابْنِ حَزْمٍ،
وفتوى الشَّيخ صالح بن سعد اللُّحَيْدَان، ومع احترامي للجميع، إلاَّ أنَّ قَوْلَ
مِثْلِ هؤلاء لا يَقْوَى على مقابلة الأصل، وقول الجمهور، والحفاظ على الصِّيام،
مع دلالة الحديث؛ وهو النَّهي عن المبالغة في الاستنشاق خشية وصول الماء إلى
حَلْقِهِ.
والمصابون بالرَّبو
إذا اضطرُّوا إلى استعمال البخَّاخ أثناء الصِّيام، فإنَّهم مرضى يُفْتَوْن بما
تدلُّ عليه الأدلَّة الشَّرعيَّة من وجوب القضاء عليهم، إذا كانوا يطيقونه، أو على
الإِطعام إذا كانوا لا يطيقون القضاء، وهذا هو اليُسْرُ الَّذي قال الله عنه: ﴿وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوۡ
عَلَىٰ سَفَرٖ