إلى النَّدب؛ لأنَّ
التَّخييرَ والتَّفويضَ إلى المشيئة بعد تلك الأوامر لا ينافي الاستحباب». ا هـ.
وقال أيضًا على حديث: «إِنَّ
اليَهُودَ، وَالنَّصَارَى لاَ يَصْبُغُونَ، فَخَالِفُوهُمْ» ([1])، بعد ذِكْرِ ما
يَعْرِضُهُ (1/ 132) في «نيل الأوطار»: «قال الطَّبريُّ: الصَّواب أنَّ الأحاديث
الواردة عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم بتغيير الشَّيب، وبالنَّهي عنه، كلُّها
صحيحة، وليس فيها تناقض، بل الأمر بالتَّغيير لمن شَيْبُهُ كَشَيْبِ أبي قحافة،
والنَّهي لمن له شمط فقط».
قال: «واختلاف
السَّلف في فعل الأمرين بحسب اختلاف أحوالهم، مع أنَّ الأَمْرَ والنَّهْيَ في ذلك
ليس للوُجُوبِ بالإجماع، ولذا لم ينكر بعضهم على بعض». اهـ. وانظر: «فتح الباري»
(10/ 355).
ثمَّ قال الكاتب: «وقد يرد على هذا
الاحتجاج بأنَّه لم يرد أنَّ أحدًا من الصَّحابة حلق لحيته لِيُفْهَمَ منه
النَّدْبُ».
قال: «والجواب أنَّ
إعفاء اللِّحَى عادة العرب كلِّهم قبل الإسلام وبعده، فيحتمل أنَّهم أعفوها لهذا،
لا للوجوب، ومعلوم أنَّ الدَّليل إذا تطرَّق إليه الاحتمال، بطل به الاستدلال».
والجواب أن نقول: ما تخوَّفته لازم
لك؛ فإنَّ كون الصَّحابة أعفوا لحاهم، لأنَّهم فَهِمُوا الوُجُوبَ مِنْ أَمْرِ
نبيِّهم صلى الله عليه وسلم، وهذا ممَّا يدلّ على حَمْلِ الحديث على الوجوب، وعدم
وجود الصَّارف له عن ذلك.
والجواب الَّذي ذكرتَه يلزم منه أنَّ الصَّحابة ما أعفوا لحاهم امتثالاً لأمر الرَّسول، وإنَّما أعفَوْها اقتداءً بعادة العرب، وهذا اتِّهام
([1])أخرجه: البخاري رقم (3462)، ومسلم رقم (2103).