×
تعليقات على مختصر زاد المعاد الجزء الثاني

وأما القسم الثاني: وهو أن تطلق ألفاظ الذم على من ليس من أهلها، فمثل نهيه صلى الله عليه وسلم عن سب الدهر، وقال: «إِنَّ اللَّهَ هُوَ الدَّهْرُ» ([1]).

*****

 إِنْ كُنْتَ كَاذِبًا فَصَيَّرَكَ اللَّهُ إِلَى مَا كُنْتَ. وَأَتَى الأَْعْمَى فِي صُورَتِهِ وَهَيْئَتِهِ فقَالَ: رَجُلٌ مِسْكِينٌ وَابْنُ سَبِيلٍ، انْقَطَعَتْ بِيَ الْحِبَالُ فِي سَفَرِي، فقَالَ قَدْ كُنْتُ أَعْمَى فَرَدَّ اللَّهُ عَلَيَّ بَصَرِي فَخُذْ مَا شِئْتَ ودع ما شئت فوالله لاَ أَجْهَدُكَ الْيَوْمَ شَيْئًا أَخَذْتَهُ لِلَّهِ فقَالَ أَمْسِكْ مَالَكَ فَإِنَّمَا ابْتُلِيتُمْ فَقَدْ رُضِيَ عَنْكَ وَسُخِطَ عَلَى صَاحِبَيْكَ».

فالشاهد من هذا الحديث أنه قال: «فَلاَ بَلاَغَ اليَوْمَ إِلاَّ بِاللَّهِ ثُمَّ بِكَ»، ولم يقل: «لا بلاغ لي إلا بالله وبك»، بل قال: «إِلاَّ بِاللَّهِ ثُمَّ بِكَ»، هذا لفظ الملَك، هذا محل الشاهد.

إطلاق الألفاظ المذمومة على من ليس أهلاً لها، هذا لا يجوز، ومن ذلك سب الدهر؛ الإنسان إذا تعسر له شيء، يشتم الدهر، والساعة، وكذلك يشتم الدار والدابة، وهذا كله لا يجوز؛ لأن القدر من الله، وليس من المخلوقات، الدهر إنما هو ليل ونهار، تجري فيهما الأعمال، والله يقدر فيهما ما يشاء، فليس للدهر من الأمر شيء، فكيف يلعن الدهر، ويسب الدهر؟ مع أن الله هو الذي يتصرف في الكون، ويقدر الليل والنهار، فإذا ذم الدهر، فقد ذم الله؛ لأنه ذم الفاعل، والفاعل هو الله، وليس الدهر.


الشرح

([1] أخرجه: البخاري رقم (6182)، ومسلم رقم (2246).