فلما استقر رسول
الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة،
*****
لما استقر رسول الله
صلى الله عليه وسلم في دار الهجرة -المدينة-، واحتف به المهاجرون والأنصار، وصار
له قوة ومنعة، حينئذ أمره الله سبحانه وتعالى بالجهاد في سبيل الله؛ لإعلاء كلمة
الله، ودحض كلمة الكفر؛ لتكون كلمة الله هي العليا، وكلمة الذين كفروا السفلى.
فلا يصلح أن يُترك
المشركون والكفار يصدون عن سبيل الله، ويؤذون المسلمين، ويضايقونهم، ويحولون بينهم
وبين الإسلام، فكان لا بد من قتالهم؛ لكف شرهم: ﴿وَقَٰتِلُوهُمۡ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتۡنَةٞ وَيَكُونَ ٱلدِّينُ
لِلَّهِۖ فَإِنِ ٱنتَهَوۡاْ فَلَا عُدۡوَٰنَ إِلَّا عَلَى ٱلظَّٰلِمِينَ﴾ [البقرة: 193].
فقوله: ﴿حَتَّىٰ لَا تَكُونَ
فِتۡنَةٞ﴾؛ أي: حتى لا يفتنوا الناس عن دينهم.
وقوله: ﴿وَيَكُونَ ٱلدِّينُ
لِلَّهِۖ﴾؛ لأن الله عز وجل خلق العباد لعبادته -سبحانه-، فمن عبد
غيره، فإنه إما أن يرجع إلى عبادة الله، وإما أن يُقاتل.
وأما أن يقال: نترك
الناس أحرارًا على عقائدهم وعلى دينهم. فهذا مخالف لما أمر الله جل وعلا به؛
فالعبادة لا تكون إلا لله، قال تعالى: ﴿وَمَا خَلَقۡتُ ٱلۡجِنَّ وَٱلۡإِنسَ إِلَّا لِيَعۡبُدُونِ﴾ [الذاريات: 56].
فالعبادة إنما تكون لله، ولا تكون لغيره، فلا بد من الجهاد لهذا الغرض، وليس من أجل أخذ أموالهم أو الاستيلاء على بلادهم أو غير ذلك، وإنما الجهاد لغرض أسمى وأعلى، وهو إعلاء كلمة الله جل وعلا، وإظهار دينه على الدين كله، وإذلال الكفار.
الصفحة 1 / 613