وَكُلُّ مَن أظهرَ شيئًا مِنها فإنَّهُ يُؤخَذُ
عَلَى يدِه، ويُمنَعُ مِن ذلك، وإنْ وَصلَ بهِ الأمرُ إلى الرِّدَّةِ فإنَّهُ
يُقتَلُ؛ حمايةً لهذا الدِّينِ مِن أنْ يَعبثَ به هؤلاءِ العابِثُونَ.
فلمَّا انقضتِ
القرونُ المُفضَّلةُ، ودخلَتِ الثَّقافاتُ الأجنَبِيَّةُ فِي بلادِ المُسلمِينَ؛
كثقافةِ الرّوم، وثقافةِ الفُرسِ، حصَلَ شيءٌ مِن الخَللِ، ونَشِطَ دُعاةُ
الضَّلالِ فِي تَرويجِ هذهِ الأفكارِ المُنحرفةِ، فَعِندَ ذلِكَ نَشِطَ أهلُ
العِلمِ فِي بيانِ عقيدةِ أهْلِ السُّنَّةِ والجماعةِ الَّتِي كانَ عليها صَحابةُ
رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وعليها التَّابِعُونَ وأتْباعُ التَّابِعينَ،
فحَرَّرُوها ودوَّنُوها فِي كُتُبٍ سَمَّوْها: الإيمان، أو الشَّرِيعة، أو
السُّنَّة، أو التَّوحِيد - وَرَدُّوا فيها عَلَى المُخالِفينَ، فصارَ هذا من
لُطفِ اللهِ بهذهِ الأُمَّةِ؛ ليَبْقَى دِينُها، فإنَّ اللهَ يُقيِّضُ لهذا
الدِّينِ حُماةً فِي كُلِّ زمانٍ يَحفظُونَه.
قال الإمامُ أحمدُ
رحمه الله تعالى([1]): «الحَمْدُ للهِ
الَّذِي جعلَ فِي كُلِّ زمانٍ فَترَةً مِنَ الرُّسُلِ بقايا مِن أهلِ العِلْمِ:
يَدعُونَ مَن ضَلَّ إلى الهُدَى، ويَصبِرُونَ مِنهم عَلَى الأذَى، يُحيُونَ بكتابِ
الله المَوْتَى ([2]) وَيُبصِّرُونَ بِنُورِ
اللهِ أهْلَ العَمَى - فكم مِن قتيلٍ لإبليسَ قد أحْيَوْهُ، وكم من ضالٍّ تائهٍ قد
هَدَوه، فما أحسنَ أثرَهُم عَلَى النَّاسِ، وأقبحَ أثرَ النَّاسِ عليهِم.
يَنفُونَ عَن كتابِ اللهِ تحريفَ الغالِينَ، وانتحالَ المُبطِلينَ، وتأويلَ الجاهلينَ: الَّذِينَ عَقدُوا أَلوِيَةَ البِدعةِ، وأَطلَقُوا عِقالَ الفِتنةِ، فهُم مُختلفونَ فِي الكتابِ، مُخالِفونَ للكتابِ، مُجمعونَ عَلَى مفارقةِ الكتابِ،
([1]) الرد على الجهمية والزنادقة (ص 85)، تحقيق: د. عبد الرحمن عميرة، ط (2)، عام (1402)، دار اللواء، الرياض، السعودية.