وَلاَ تَقُلِ الْقُرْآنُ
خَلْقًا قِرَاءَةً |
|
فَإِنَّ
كَلاَمَ اللهِ بِاللَّفْظِ يُوضَحُ |
*****
توقَّفُوا، بل
يَردُّونَ علَيهم ويُصرِّحون بذلكَ؛ وكأنَّ الجَهميَّةَ لمَّا رأوا أن النَّاسَ لا
يُوافِقُونَهم على قوْلِهم لَجؤُوا إلى هذهِ الحِيلةِ؛ ليَستُروا بها باطِلَهم،
ولهذا لمَّا سُئِلَ الإمامُ أحمدُ عنِ التَّوقُّفِ قال: لو كانَ هذا قبْلَ أن
تقولَ الجهميَّةُ ما قالتْ كنَّا نَتوقَّفُ، أمَّا بَعدَما قالُوا قَوْلَتَهم
الشَّنيعَةَ فلا بدَّ منَ التَّصريحِ ببُطلانِها ورَدِّها. هذا مَعنى ما قالَ
الإمامُ أحمَدُ في مَسألةِ التَّوقُّفِ عنِ القَولِ بخَلْقِ القرآنِ.
قوله: «وأسْجَحُوا»([1]): الإسْجاحُ:
هوَ التَّساهَلُ واللِّينُ، يعني: تَساهَلُوا.
وفي بعضِ النُّسَخِ:
«وَأَسْمَحُوا»: من السَّماحِ، يعْني: سَمَحوا لهذا، وسَواءً أسْجَحوا أو
أسْمَحوا، فمَعناهُ: أنَّهم لم يُنكِرُوا، وإنَّما لاَنُوا مع قوْلِ الجهميَّةِ
ولم يُنكِروا عليهم، بل تَوقَّفُوا في هذهِ المَسألَةِ.
وهذا مَذهَبٌ ثالِثٌ
في هذهِ المَسألةِ.
المَذهبُ الأوَّلُ: التَّصريحُ بأنَّ
القُرآنَ مَخلوقٌ.
المَذهبُ الثَّاني: التَّوقُّفُ، فلا
يُقالُ: مخلوقٌ أو غيرُ مخلوقٍ.
القوْلُ الثَّالثُ: يقولونَ: اللَّفظُ بالقُرآنِ مخلوقٌ، فيقولُ قائِلُهم: لَفظِي بالقُرآنِ مخلوقٌ!
([1]) قال ابن الأثير في ((النهاية)) (2/ 342): في حديث عليّ يحّرض أصحابه على القتال: وامشوا إلى الموت مشيةً سجحًا أو سجحاء، السّجح: السّهلة، والسّجحاء تأنيث الأسجح، وهو السّهل. ومنه حديث عائشة رضي الله عنها: ((قالت لعلي يوم الجمل حيث ظهر: ملكت فأسجح))، أي: قدرت فسهّل وأحسن العفو. هو مثل سائر. ومنه حديث ابن الأكوع في غزوة ذي قرد: ((ملكت فأسجح)).