ثمَّ يأتِي واحِدٌ
منَ الزَّنادِقَةِ والمَلاحِدَةِ الَّذينَ يَدَّعُون الإسلامَ ويَتهَجَّمُ على
الصَّحابةِ ويَذُمُّهم! واللهُ جل وعلا يقولُ: ﴿أُوْلَٰٓئِكَ
هُمُ ٱلصَّٰدِقُونَ﴾ [الحشر: 8]، فهذا مُكَذِّبٌ للهِ عز وجل.
وقالَ جل وعلا في
الأنصارِ: ﴿وَٱلَّذِينَ
تَبَوَّءُو ٱلدَّارَ وَٱلۡإِيمَٰنَ مِن قَبۡلِهِمۡ﴾، يعني: دارَ
الهِجرَةِ، وهمُ الأنصارُ في المَدينةِ ﴿ يُحِبُّونَ مَنۡ هَاجَرَ
إِلَيۡهِمۡ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمۡ حَاجَةٗ مِّمَّآ أُوتُواْ وَيُؤۡثِرُونَ
عَلَىٰٓ أَنفُسِهِمۡ وَلَوۡ كَانَ بِهِمۡ خَصَاصَةٞۚ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفۡسِهِۦ
فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ﴾ [الحشر: 9]، هذا ثناءٌ على
الأنصَارِ، ومَدْحٌ لهُم، وذِكْرٌ لصِفاتِهمُ الحَميدَةِ، واللهُ جل وعلا أثْبَتَ
لهمُ الفَلاحَ، فقالَ: ﴿وَمَن يُوقَ شُحَّ
نَفۡسِهِۦ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ ﴾ [الحشر: 9]، فهذا
دليلٌ على أنَّ اللهَ وَقَاهُم شُحَّ أنفُسِهم، فصارُوا ﴿
وَيُؤۡثِرُونَ عَلَىٰٓ أَنفُسِهِمۡ وَلَوۡ كَانَ بِهِمۡ خَصَاصَةٞۚ﴾ [الحشر: 9] خصاصَةٌ
- أي: جُوعٌ، فهُم يُؤْثِرون حاجَةَ إخوانِهم ولو كانَ بهِم حاجَةٌ، ولمَّا هاجَرَ
إليهِم إخوانُهم واسَوْهُم، وفَتَحُوا لهم صدُورَهم وقُلُوبَهم، وأشرَكُوهم في
أمْوَالِهم وفي بُيُوتِهم، رَضيَ اللهُ تَعالى عنهُم وأرضاهُم.
ثمَّ قالَ في الَّذينَ جاءُوا مِن بَعدِهم: ﴿وَٱلَّذِينَ جَآءُو مِنۢ بَعۡدِهِمۡ﴾: من بعْدِ الصَّحابةِ مِنَ المُؤمنينَ إلى يَومِ القِيامةِ، ﴿يَقُولُونَ رَبَّنَا ٱغۡفِرۡ لَنَا وَلِإِخۡوَٰنِنَا ٱلَّذِينَ سَبَقُونَا بِٱلۡإِيمَٰنِ وَلَا تَجۡعَلۡ فِي قُلُوبِنَا غِلّٗا لِّلَّذِينَ ءَامَنُواْ رَبَّنَآ إِنَّكَ رَءُوفٞ رَّحِيمٌ﴾ [الحشر: 10]، هذا فيهِ بَيانٌ أنَّ الوَاجِبَ للصَّحابَةِ: الدُّعاءُ لهُم، والاستغفارُ لهُم، والاعترافُ بسَبْقِهم بالإيمانِ، وسُؤالُ اللهِ أنْ يُنَزِّهَ قُلُوبَنا منَ الغِلِّ والحِقْدِ علَيْهم والبُغْضِ لهم، فهذا فيه الثّناءُ على