×
المِنحَةُ الرَّبانيَّةُ في شَرحِ الأربَعينَ النَّوَويَّةِ

 مَا اسْتَطَعْتُمْ» وهذا من رَحمةِ اللهِ عز وجل، أنْ تأتيَ الإنسانُ من الأوامرِ بما يَسْتطيع، والَّذي لا يَستطيعُه يَسقطُ عنه؛ كما قال تعالى: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن: 16]، وقال تعالى: ﴿لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا [البقرة: 286]، فما استطاعَه الإنسانُ من الواجباتِ الدِّينيَّة فإنَّه يفعَلُه، وما لم يَستطِعْ فإنَّه يسقُطُ عنه حتَّى يزولَ عُذرُه، وهذا من يُسرِ هذه الشَّريعة، ورفعها للحرج عن النّاس.

قال: «وَمَا نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ فَاجْتَنِبُوهُ» أمَّا المَنْهيُّ عنْه فإنَّه يُجتَنَبُ كلُّه؛ لأنَّ التَّرْكَ أسهلُ من الفِعل، الفِعلُ تأتي مِنه ما تَستَطِيع، أمَّا التَّركُ فهذا لا أحدَ يَعجَزُ عنه؛ لأنَّ التَّركَ أسهل، ولهذا قال: «مَا نَهَيْتُكُمْ عَنْه فَاجْتَنِبُوه»، ولم يقُلْ: اجْتَنبُوا ما اسْتَطَعتم، بل قال: «فَاجْتَنِبُوهُ» كلُّ واحدٍ يستطيعُ أنْ يترُكَ المنهيَّ، اللَّهُمَّ إلاَّ في حالةِ الضَّرورة، إذا اضْطُرَّ إلى المَنهيِّ فإنَّه يَفعلُه من بابِ الرُّخْصَة؛ مثل أن يَضْطَرَّ إلى أكلِ المَيتة، فإنَّه يَتَناولُه ليُبقِي على حياتِه.

ثمَّ إنَّه حذَّر من كَثْرةِ الأسئلةِ التي لا يُحتَاجُ إليها في أمورِ الدِّين، وضَرَب لذلك مَثلاً بِالأُمَم السَّابقة، فإِنَّه إذا كثُرَتِ الأسئلةُ فإنَّه حينَئذٍ يَحصُلُ الحَرجُ والضِّيقُ على النَّاس، وبالتَّالي هذا الذي يُكثِرُ السُّؤالَ يترُكُ الطَّاعة، قال تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ *قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُوا بِهَا كَافِرِينَ [المائدة: 101- 102]، فالتَّكلُّفُ في الأسئلةِ مَدْعاةٌ إلى التَّرْكِ والتَّنطُّع،


الشرح